اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 226
وأما قولك لولاي لما عاش إنسان، ولا بقي على أرض حيوان، فجوابه لو شاء الله لعاش العالم بلا هواء، كما عاش عالم الماء في الماء، ولم لا قلت أن غالب هلاك كل ذي روح من الوباء، وأنه لولا الرطوبة التي اكتسبتها أنت مني بالمجاورة، لاحترقت أنت فضلاً عن العالم لمجاورتك لطبيعة النار الحارة، فعلم بهذا أن حرارتك عرضية، لا أنها فيك طبيعية، ولو شئت لافتخرت عليك بالحرارة التي تعرض لي من النار والارتماض، ولكن لا يليق بالعاقل أن يفتخر بالإعراض، لأن العرض لا يبقى زمانين، كما برهن على أنه لا ينتقل إلى مكانين، وما الافتخار بشيء سريع الزوال، أو بعرض ليس لطبيعة الشخص عليه انجبال، قال الشاعر:
واحق من نكسته ... بالذل من درجاته
من مجده من غيره ... وسفاله من ذاته
ولذلك قيل:
لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يوماً على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وأما قولك إن طبيعتي الرطوبة فذلك أعظم فخري، لأن الرطوبة مادة الحياة التي في الأجسام تسري، إذ الحرارة بمنزلة النار في الأبدان، والرطوبة لها بمنزلة الأدهان، فإذا خلص الدهن انطفأ السراج، وزال ما فيه من النور الوهاج، وأما تعييرك لي بأني متلون، فالتلون صفة عارف الزمان، المتخلق بقوله تعالى " كل يوم هو في شأن "، وأما قولك قلبي قد انقلب، فالحمد لله الذي قلبه لأعلى الرتب، لأنه كان آخر الحروف فصار أولها، وكان مفضولها فصار أفضلها، إذ الألف تدل على الذات الأحدية، والباء تشير للحقيقة المحمدية، فكل الأحرف من الباء،
اسم الکتاب : حلية البشر في تاريخ القرن الثالث عشر المؤلف : عبد الرزاق البيطار الجزء : 1 صفحة : 226