ثم في مصادر المزي: " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم، و " الضعفاء " للعقيلي، و " الكامل " لابن عدي، و " طبقات " ابن سعد، و " التاريخ الكبير " للبخاري ... ثم في مصادر هذه المصادر، أعني: الثلاثة الاولى، فابن أبي حاتم إنه نقل عن أبيه وأبي زرعة، فهو المصدر الاول والوحيد لذلك النقل، لانه ينقل عنهما مباشرة دون واسطة، لكنه كثيرا ما ينقل عن الامام يحيى بن معين، من روايات متعددة عنه: رواية الدوري، والدارمي، وإسحاق بن منصور، وابن أبي خيثمة..، فكنت أرجع إلى المطبوع منها، وأعزو إليه، ولا اكتفي بالنقل عنه بواسطة.
وكثيرا ما ينقل أيضا عن الامام أحمد من رواية ابنه عبد الله وغيره - عنه، فلا اكتفي إلا بمراجعة أصوله، ما دامت تصل يدي إليها.
فان لم أستطع ذلك - وكانت لدي شبهة في صحة اللفظ المنقول - كنت أرجع إلى مؤيدات أخرى، لارى الوارد على هذا اللفظ، أو أنه روي سواه، فكنت أرجع مثلا إلا " تاريخ بغداد " وغيره من الكتب التي تعنى بذلك.
وهكذا الشان فيما ينقله العقيل وابن عدي، فانهما يعنيان بالرواية عن البخاري، وابن معين، وأحمد، وابن المديني، فلا أسوغ لنفسي الاخذ عنهما ما دمت قادرا على الرجوع إلى المصدر الاول لهما، لما تبين لي من ضرورة الاخذ بهذا المنهج.
وخلاصة ذلك:، أني كنت أعتبر الكتب التي تجمع الاقوالفي الرجال: مفايح تدلني على المصادر الاصلية، فارجع إليها، ولا أعتبرها مصادر مستقلة إلا إذ لم يتيسر لي الوصول إلى مصادرها.
لقد كشف هذا المنهج عن حقائق، وزيف دخائل، وصوب أخطاء، وصحح أغلاطا، ونبه إلى تحريفات، وأيقظ إلى تصويبات: الشئ الكثير، والحمد لله رب العالمين.
ومع أنه جعلني أنفض يدي - أكثر من ذي قبل - من الثقة بالكتب المطبوعة في علم الرجال إلا ما ندر: فانه حملني على ضروررة التثبت من كل نقل عن قائله، ومن النظر في لفظه المنقول عنه، ومدى تطابقه مع المراد، وذلك بدراسة قرائنه وملابساته، فقد يكون النقل متطابقا، لكنه يكون في مصدره المنقول عنه قرينة وملابسة تعين مرادا آخر منه.
وأكثر ما يقع هذا في النقل عن المام البخاري رحمه الله.
وكنت أحيانا أستغرق ساعات عديدة في دراسة ترجمة واحدة، ونتيجة تسلسلي مع المصادر والامهات، ودخولي في متاهات بنيات الطريق المعترضة، أعني تلك التحريفات المطبعية الكثيرة جدا الواقعة في كتب الرجال، فمن تصحيح تحريف، إلى تصحيح تحريف آخر في كتب غيره، إلى تصحيح ثالث في مصدر ثالث.
وقد يتوارد ناشرو هذه الكتب على تحريف واحد، فيصير لدى آخرين هو الصوب، وغيره هو الخطا!.
وقد يقع خطا في كتاب، فيرتب عليه محقق كتاب آخر خطا آخر، فيتعذر كشف الخا الاول أكثر مما لو بقي على حاله.