responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة المؤلف : السخاوي، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 425
على عاقبتها فلا يمضي يوم حتى يخبر بما يكون من أمرها وذلك شيء كان منه دائما لإخوانه ومعتقديه وكان مكبا على الصيام والقيام لا يزال رطب اللسان بذكر الله والتلاوة ولا يتلو كتلاوة الناس اليوم بل يرفع بها صوته ويرتله ترتيلا عجيبا مع تدبر وتأمل حتى يغيب عن حواسه وكان تلاوته نظرا ليتقوى بذلك على التدبر ولأفضليتها على الغائب وله شيء من التصنيف ذكر فيه أحوال القوم وطريقتهم وفصله بمواعظ وتقريبات وينتفع بها من وقف عليها ذكر لي رحمه الله أنه لما قدم المدينة سكن في رباط السبيل وهو على قلة رفاقه فكان يطوي الأيام لا يجد شيئا ولا يفطن له لتعففه وتكففه حتى سقطت قوته وخشي على نفسه قال وكان بجواري رجل صالح يذهب كل يوم إلى البر فيأتي بحزمة حطب يبيعها ويتقوت بها وهو شيخ كبير وكنت أشفق عليه لما ارى من ضعفه وكنت أقرأ على الشيخ عبد الحميد القرآن تجويدا مع جماعة من الناس ولا يعلم أحد بحالي ولا ما اقاسي من الجوع والقلة قال فجلست يوما في القبلة في المسجد فجاءني إنسان من ورائي ورمى في حجري رغيفا وذهب فلم أعلمه ولا عرفت مكانه قال فأخذت الرغيف فأكلته فوقع في فمي شيء فأعرجه فوجدته دينارا مغربيا فأخذته وذهبت به إلى السوق في الوقت وأخذت به طعاما وتقوت به أياما ثم عدت إلى ما كنت عليه من الفاقة فعاد كصنيعة الأول ثم عدت فعاد وصرت أتعجب من معرفته بحالي بحيث ظننته ملكا أو وليا ولما فرغ ما كان عندي في المرة الثالثة ارتقبته فلما جاءحققت فيه النظر فعرفته وأنه جاري الحطاب فقلت هذا هو الحق لأنه يعلم من حالي مالا يعلمه غيره فإن يأتي فبيانه قال فمالت إليه نفسي ووانسته فانعطف علي مع كراهته ظهور إحسانه إلي ثم تخيلت أنه ينفق من الغيب أو معه علم من الصنعة لأن من ظفر بإحدى الخصلتين وزهد في الدنيا وطلبها بتعب النفس ليكون ذلك من شكر الله الذي ملكه ما لم يملكه غيره قال فأنست به حتى سألته عن سبب تكلفة نقل الحطب مع السعة وقلت له هذا غير نظر منك لك فقال أردت أشياء يا مسكين منها التستر عن الخلق وذل النفس وتهذيبها فإنها إذا ملكت طاشتت وطغت ولم أزل به حتى أخبرني أنه عن علم ورثه وانفرد به فسألته أن يعلمنيه لأذكره به وأستعين به على حالي فقال لي إن صحبتني إلى بلادي علمتك وإلا هنا فلا فأقام إلى الموسم ثم سافر ولم يقطع الله بي انتهى وما مات حتى تزوج صالحة كان يقول إنه في بركتها اتسع حاله واشتهر ذكره وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وزوجه ميمونة على قدم العبادة والخير مات عقب الحج فإنه حج ماشيا من طريق الماشي فلما كمل حجه اجتمع بي في منى وقال لي قد عجزت عن الرجوع ماشيا فاكتريت له واستصجته إلى المدينة فلم يقم بعد الموسم إلا قليلا ثم مات في أول سنة وخمسين وسبعمائة وقال ابن صالح إنه كان بمدرسة السراج عرض القرآن على العز الواسطي وليس منه الخرقة وخرج عن بعض وطائفة واشتغل بالعبادة

اسم الکتاب : التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة المؤلف : السخاوي، شمس الدين    الجزء : 1  صفحة : 425
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست