اسم الکتاب : موقعة اليرموك دراسة وتحليل المؤلف : محمد السيد الوكيل الجزء : 1 صفحة : 180
كَانَت لكلمة خَالِد تِلْكَ أعظم الْأَثر فِي نفوس الْمُسلمين من تحرض القسيسين والرهبان فِي نفوس الرّوم، وَلَئِن ظلّ هَؤُلَاءِ يعبئون تِلْكَ التعبئة الروحية مُدَّة شهر كَامِل، فَإِن نُفُوسهم لم يكن فِيهَا من الْيَقِين وَحسن الثِّقَة فِي وعد الله كَمَا كَانَ فِي نفوس الْمُسلمين، وَلذَلِك أثمرت كلمة خَالِد الَّتِي لم تستغرق دقيقتين مَا لم تثمره مواعظ الرهبان والقسيسين لمُدَّة شهر، لِأَن النُّفُوس المؤمنة بِالْحَقِّ تكون دَائِما مهيأةً لاستقبال التَّوْجِيه وَالْمَوْعِظَة، سريعة التأثر بِمَا يلقى عَلَيْهَا إِذا ذكرت بوعد الله -عز وَجل- حَسَنَة الثِّقَة فِيمَا عِنْده.
على أننا نرى فِي كلمة خَالِد -رَضِي الله عَنهُ- من الْإِخْلَاص والحث عَلَيْهِ، وعظيم الِاعْتِمَاد على الله مَا لَا يُمكن أَن يخيب صَاحبه، زد على ذَلِك بعد نظر خَالِد، وإدراكه لما حوله من أبعاد المعركة وَقدرته العسكرية الَّتِي تجْعَل أَصْحَابه يدينون لَهُ من غير مُنَازع، كل ذَلِك جعلهم يَجْتَمعُونَ على قيادته بعد أَن كَانُوا متساندين لَا يدين أحد لأحد، وَلَا يرى أحد أَن أحدا أَحَق بالأمرة مِنْهُ.
خطة خَالِد لمواجهة الرّوم:
اجْتمع الْمُسلمُونَ على خَالِد بعد أَن مكث شهرا على اليرموك لَيْسَ بَينه وَبَين الرّوم قتال واقترح خَالِد بعد أَن آلت إِلَيْهِ القيادة الْعَامَّة لجيش الْمُسلمين أَن يقسم الْجَيْش إِلَى كراديس (فرق) كل فرقة من ألف رجل، وَجعل على كل كرْدُوس رجلا مِمَّن اشتهروا بالشجاعة والإقدام، أَمْثَال الْقَعْقَاع بن عَمْرو وَصَفوَان بن أُميَّة، وَعِكْرِمَة بن أبي جهل وأضرابهم، وَأسْندَ قيادة الْقلب إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح، وقيادة الميمنة إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ وشرحبيل بن حَسَنَة، وقيادة الميسرة إِلَى يزِيد بن أبي سُفْيَان. وَقَالَ لأَصْحَابه: "إِن عَدوكُمْ كثير وَلَيْسَ تعبية أَكثر فِي رَأْي الْعين من الكراديس"[1].
حاول خَالِد بذلك أَن ينسي الْمُسلمين كَثْرَة الرّوم المخيفة، وَأَن يظْهر الْمُسلمين فِي حَالَة تدخل الرعب والفزع فِي عدوهم، وَلكنه لم يلبث أَن سمع رجلا يَقُول: مَا أَكثر الرّوم وَأَقل الْمُسلمين! فَغَضب خَالِد لما سمع وَصَاح مغضباً، بل مَا أقل الرّوم وَأكْثر الْمُسلمين، إِنَّمَا تكْثر الْجنُود بالنصر، وتقل بالخذلان، وَالله لَوَدِدْت أَن الْأَشْقَر -يَعْنِي فرسه- برَاء من توجِّيه وَأَنَّهُمْ أَضْعَف فِي الْعدَد، وَكَانَ فرسه قد حفي من مَشْيه بالمفازة (بادية الشَّام) [2].
وخشي خَالِد أَن تسري كلمة الرجل فِي صُفُوف الْمُسلمين فتوهنهم، وتضعف مقاومتهم، فَعجل بالمعركة ليشغل الْمُسلمين بهَا بَدَلا من أَن يشغلوا عَنْهَا بِالنّظرِ فِي عَددهمْ وَعدد عدوهم. [1] ابْن الْأَثِير (2/411) . [2] ابْن الْأَثِير (2/412) .
اسم الکتاب : موقعة اليرموك دراسة وتحليل المؤلف : محمد السيد الوكيل الجزء : 1 صفحة : 180