ونسائهم وذراريهم، ومنه يخرجون للغزو، بدلا من العودة في كل مرة إلى "فسطاط" مصر.
وثانيهما: غزو البربر أنفسهم، والتوغل في قلب بلادهم، وإدراكهم في منازلهم في الهضاب والجبال والصحراء، بدلا من الاكتفاء بغزو مدائن الساحل ثم العود إلى "الفسطاط"؛ لأن المسلمين لا يكادون ينصرفون عن هذه البلاد حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه، لاتصال هذه المناطق عن طريق البحر بالبيزنطيين، تتلقى منهم الإمدادات، وكانوا -كما وصفهم عقبة نفسه- "إذا دخل عليهم أميرا أطاعوا، وأظهر بعضهم الإسلام، فإذا عاد الأمير عنهم نكثوا، وارتد من أسلم"[1].
تلك كانت الخطة التي وضعها عقبة نافع، وأراد أن ينفذها على مرحلتين، لكنه إذا كان قد نجح في أن ينفذ المرحلة الأولى ببناء مدينة القيروان فإنه كان ما كاد يشرع في تنفيذ المرحلة الثانية حتى رأت الخلافة أن تعهد بقيادة الجيوش الإسلامية في "إفريقية" إلى قائد آخر هو "أبو المهاجر دينار". وسيأتي الحديث عن ذلك بعد قليل.
وجه معاوية بن أبي سفيان إلى عقبة -وهو في مستقرة ببرقة وزويلة- عشرة آلاف فارس[2] -من بينهم خمسة وعشرون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم[3]- فضم عقبة إليهم من أسلم من البربر[4]. وقد كان لطول الفترة التي قضاها هذا القائد في مناطق برقة وصحراء زويلة وطرابلس، وتتابع حملاته على هذه النواحي "من 22هـ- إلى 49هـ" أثر كبير في دخول بعض أهلها في الإسلام. وكان في ضمة لهم إلى الجيش دليل على أن هؤلاء أحسوا بحلاوة الإسلام، وعرفوا ضرورة الجهاد.
وفي مسيرة إلى إفريقية اتخذ عقبة طريقه في داخل البلاد، مباعدا عن الساحل وقد اتخذ هذه الخطة في كل أعماله، سواء في هذه الغزوة أو فيما بعدها. وربما كان [1] البيان المغرب لابن عذارى "1/ 19"، الكامل لابن الأثير "3/ 320"، وراجع: "فتح العرب للمغرب" لمؤنس ص"133"، دراسات أندلسية للدكتور محمد عبد الحميد عيسى، ص"22". [2] البيان المغرب "1/ 19". [3] طبقات علماء إفريقية، لأبي العرب تميم، ص"56". وفي رواية ابن عذارى "ثمانية عشر صحابيا" "البيان المغرب 1/ 20". [4] الكامل لابن الأثير "2/ 320"، نهاية الأرب للنويري جـ24، ص"22".