اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 69
ومنها: أن جمعاً من السودان اجتمعوا بالقاهرة والركبدارية الغلمان، وخرجوا بليل في وسط المدينة ينادون يا آل على، وفتحوا دكاكين السيوفيين بين القصرين، وأخذوا ما فيها من السلاح، وأخذوا خيل الجند من بعض الإصطبلات، وكان الباعث لهم على ذلك شخص يعرف بالكورانى تظاهر بالزهد والمشيخة، وعلم له قُبَّةً على الجبل الأحمر وأقام بها، وتردَّد بعض الغلمان إليه وأقبلوا عليه، فأجرى معهم هذه الأمر ووعدهم بالإقطاعات، وكتب لبعضهم رقاعا ببلاد معيَّنة، فثاروا هذه الثورة، فركبت جماعة من العسكر وأحاطوا بهم، وأُخِذوا أخذاً وبيلاً، فأصبحوا مصَلَّبين على بابى زويلة، وسكنت الفتنة.
قال القائل:
مَعْشرٌ أشْبَهوا القُرودَ ولكن ... خالفوها في خفْة الأرواح
ومنها من الأمور العجيبة الغريبة: أن في أول هذه السنة كانت الشام للملك الناصر يوسف بن الملك العزيز بن الملك الظاهر غازى بن الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب، ثم في النصف من صفر منها: صارت لهلاون اللعين ملك التتار، ثم في آخر رمضان: صارت للملك المظفر قطز، ثم في أواخر ذي القعدة: " انتقلت إلى مملكة السلطان الملك الظاهر بيبرس وقد شاركه في دمشق الملك المجاهد علم الدين سنجر كما ذكرناه.
وكذلك كان القاضى في أول السنة بالشام صدر الدين بن سنىّ الدولة، ثم تولى الكمال عمر التفليسى، ثم تولى محى الدين بن الزكى، ثم تولى نجم الدين بن سنى الدولة.
وكذلك كان الخطيب بجامع دمشق في أول السنة: عماد الدين بن الحرستائى، وكان من سنين متطاولة فعزل في شوال من هذه السنة بالعماد الإسعردى، وكان صَيتاً قارئاً مجيداً، ثم أعيد العماد بن الحرستانى في أول ذي القعدة منها.
فسبحان الذى يُغير ولا يتعير.
ومنها: أن الناس في دمشق ابتلوا بغلاء شديد في سائر الأشياء من المأكول والملبوس وغيرهما، فبلغ الرطل من الخبز إلى درهمين والرطل من اللحم إلى خمسة عشر درهماً، والأوقية من القنبريس إلى درهم، والأوقية من الجبن إلى درهم ونصف، والأوقية من الثوم إلى درهم، والرطل من العنب إلى درهمين، ومن أكبر أسبابه ما أحدثه الفرنج من ضرب الدراهم المعروفة باليافية وكانت كثيرة الغش.
قال أبو شامة: بلغنى أنه كان في المائة منها خمسة عشر درهما فضة والباقى نحاس، وكثرت في البلد كثرة عظيمة وتحدث في إبطالها مرارا، فبقى كل من عنده منها شيءُ كان حريصاً على إخراجه خوفا من بطلانها، فتزايدت الأسعار بسبب ذلك إلى ان بطلت في أواخر السنة، فعادت تباع كل أربعة منها بدرهم ناصري مغشوش أيضاً بنحو النصف.
وفيها:) . (وفيها: حج بالناس) . ( ذكر من توفى فيها من الأعيان
قاضى القضاة أحمد بن يحيى بن هبة الله بن الحسن بن يحيى بن محمد بن علي ابن يحيى بن صدقة بن الخياط، صدر الدين أبو العباس احمد بن سنى الدولة الثعلبى الدمشقى.
وسنى الدولة هو الحسن بن يحيى المذكور.
كان قاضياً لبعض ملوك دمشق في حدود الخمسمائة، وله أوقاف على ذريته، وابن الخياط الشاعر صاحب الديوان هو أبو عبد الله احمد بن محمد بن على بن يحيى بن صدقة الثعلبى، عم سنى الدولة.
ولد القاضى صدر الدين سنة تسع وثمانين وخمسمائة، وسمع ابن طبرزد، والكندى، وغيرهما، وحدث ودرس في عدة مدارس، وأفتى، وكان فاضلا عارفا بالمذهب، وقد ولى الحكم بدمشق استقلالاً سنة ثلاث وأربعين، واستمر إلى هذه السنة، فسار حين عزل بالكمال التفليسى هو والقاضى محي الدين بن الزكى إلى هلاون كما ذكرنا، ثم عادا من عنده، وقد تولى ابن الزكى، فاجتاز ابن سنى الدولة ببعلبك، وهو متمِّرضٌ فمات بها، ودفن عند الشيخ عبد الله اليونينى.
وكان الملك الناصر يثنى عليه، كماكان الملك الأشرف يثنى على والده قاضى القضاة شمس الدين بن سنى الدولة.
ولما استقر أمر السلطان الملك الظاهر بيبرس ولى ولده القاضى نجم الدين ابا بكر بن قاضى القضاة صدر الدين القضاء بدمشق، وعزل ابن الزكى، ثم عزله بعد سنة، على ما سيأتي إن شاء الله.
وقال ابن كثير: والقاضى صدر الدين بن سنى الدولة هذا هو الذى أحدث في زمن المشمش بطالة التدريس لأنه كان له بُستان بأرض السهم، فكان يشقُّ عليه النزول منه في ذلك الوقت إلى الدرس، ثم اتبعه الناس في ذلك.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 69