اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 67
وقال بيبرس في تاريخه: استقر الملك الظاهر في السلطنة يوم قتل المظفر وهو يوم السبت السابع عشر من ذي القعدة من هذه السنة، وطلع القلعة سحر يوم الإثنين التاسع عشر منه، وابتدأ بأحلاف الأمراء، والأكابر وسائر العساكر والوزراء والحكام وأرباب الوظائف والأقلام على الإختلاف في مراتبهم وطبقاتهم، فحلفوا جميعاً، وصرف همته إلى تدبير دولته وتمهيد مملكته واستمالة الخواطر واستجلاب قلوب الأكابر والتحيل على من تجب الحيلة عليه، والترغيب لم تميله الرغبة إليه، وانقضت هذه السنة ولم يركب موكب السلطنة حتى وكَّدَ الأسباب، وسَدَّ ما يخاف فتحه من الأبواب.
وقال بيبرس ايضاً: لما قتلوا قطز كانت أوائل العسكر قد وصلت إلى المنزلة، ولم يشعروا بما كان، ولا علموا بعدم السلطان، ثم لما نزل الأمراء الذين قتلوه وتشاوروا فيمن يقوم بالأمر وتردد الكلام بينهم، فمنهم من يظهر الامتناع ومنهم من يأبى الاستماع، فقال لهم الأمير فارس الدين أقطاى الأتابك المستعرب: منْ هو الذي علاه بسيفه وعاجله أولاً بحتفه؟ فقالوا: الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى. فقال: الضارب الأول أولى، ونحن نراه للملك أهلا، فأجمعوا رأيهم عليه وأجلسوه على الطراحة الملوكيَّة، ووقفوا بين يديه، ورأوا أن المصحلة في السرعة وطلوع القلعة قبل ان يفش الأمر، ويسعر به خوشداشية المظفر وإلزامه، فربما ينتقضُ ما أبرم أحكامه، فركبوا مسرعين، وساروا سابقين، وقدَّموا الأمير عزّ الدين أيدَمُر الحلى ليسبقهم إلى القلعة، فيستفتح لهم الأبواب ويستصلح النواب، فسبق وطلع اليها، وتحدث مع الأمراء المقيمين بها، وأعلمهم أن المظفر قد قتل، والبندقدارى قد ملك، ووصل، وأن اتفقوا على الرضى به والحلف له، فاستحلفهم الأيمان المؤكدة، وقرَّر معهم القاعدة، وأقبل الركن البندقدارى، فتوقل غارب قلتها، وتسنم كاهل ذروتها، بغير ممانع يمانعه، ولا معارض يعارضه، ورحل العسكر من تلك المنزلة على الإثر وقد تنسَّمُوا أنفاس الخبر، فوصلوا إلى القاهرة والحل قد استتمّ، والظاهر قد استقرَّ له الملك وانتظم.
؟ ذكرُ سلطنة الملك المُجاهد في دِمَشْق
قد ذكرنا أن السلطان الملك المظفر قطز لما انتصر على التتار، ودخل دمشق ولَّى عليها الأمير علم الدين سنجر الحلبى أحد الأتراك، ولما استقر فيها نائباً شرع في العشر الأخير من ذي القعدة في عمارة قلعة دمشق، وجمع لها الصناع وكبراء الدولة والناس، وعملوا فيها حتى عملت النساءُ أيضاً، وكان عند الناس بذلك سرورٌ عظيم، ثم في الشعر الأول من ذي الحجة من هذه السنة دعا الناس إلى نفسه ولقب نفسه بالملك المجاهد، وذلك لما بلغه مقتل المظفر قطز، ودخل القلعة، واستقرَّ فيها زاعماً أنه سلطان.
قال ابن كثير: ولما جاءَت البيعة للملك الظاهر بيبرس خطب له يوم الجمعة السادس من ذي الحجة، فدعى الخطيب للظاهر أولاً ثم للمجاهد ثانيا، وضربت السكة باسمهما معاً أيضاً، ثم ارتقع المجاهد هذا من البين على ما سيأتى بيانه إن شاء الله تعالى.
وفي تاريخ المؤيد: ولما بلغ علم الدين سنجر الحلبى الذي استنابه المظفر قطز على دمشق قتلُ قطز، جمع الناس وحلفهم لنفسه بالسلطنة، وذلك في الشعر الأول من ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وستمائة، فأجباه الناس إلى ذلك، وحلفوا له، ولم يتأخر عنه أحد، ولقب نفسه بالملك المجاهد، وخطب له بالسلطنة، وضربت السكة باسمه، وكاتب الملك المنصور صاحب حماة في ذلك فلم يجبه، وقال: أنا مع من يملك الديار المصرية كائناً من كان.
ذكر عود التتار إلى الشام
وفي هذه السنة تحرك التتار، وتوجهوا إلى جهة الشام، وقربوا من البيرة على الفرات، ولما بلغ ذلك نائب حلب الذى ولاه السلطان الملك المظفر قطز، وهو الملك السعيد بن صاحب الموصل، وكان قد جرد جماعة من العزيزية والناصرية، وأرسل إلى التتار جماعةً قليلة من العسكر، وقدم عليهم الأمير سابق الدين أمير مجلس الناصرى، فأشار عليه كبراء العزيزية بأن هذا ما هو مصلحة، فإن هؤلاء قليلون، ويحصل الطمع بسببهم في البلاد، فلم يلتفت إلى ذلك وأصر على مسيرهم، فسار سابق الدين أمير مجلس بمن معه حتى قاربوا البيرة، فوقع عليهم التتار، فهرب منهم ودخل البيرة بعد أن قتل غالب من كان معه.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 67