اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 61
ولما وقع هذا في البلد، اجتمع قضاة المسلمين والفقهاء، فدخلوا القلعة يشكون هذا الحال إلى متسلمها إيل سنان، فاهينوا وطردوا، وقدم كلام رؤوس النصارى عليهم، ف) إنا لله وإنا إليه راجعون (.
ذكر وقعة عين جالوت
وكسرة التتار عليها يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر رمضان من هذه السنة:
ولما استولت التتار على البلاد الشامية وضايقوا الممالك الإسلامية، ولم يبق من يدفعهم عن العباد والبلاد إلا عسكر الديار المصرية، اتفق السلطان الملك المظفر قطز مع الأمراء، والأكابر على تجهيز العساكر، وصمموا على لقاء العدو المخذول، وجمعوا الفرسان والرجالة من العربان وغيرهم، وخرجوا من القاهرة بأعظم أبهة.
وكانت التتار في أرض البقاع، فساروا صحبة مقدّمهم كتبغانوين، فكان المتلقى بمنزلة عين جالوت في مرج بنى عارم، فلما التقى الجمعان حمل السلطان الملك المظفر بنفسه، وألقى خوذته على رأسه، وحملت الأمراء البحرية والعساكر المصرية حملة صادقة، فكسروهم أشد كسرة، وقتل كتبغانوين في المعركة.
وقتل بعده السعيد بن الملك العزيز لأنه وافقه في هذه الحركة، وكان قد أخذ من هلاون فرماناً بإستمراره على ما بيده من البلاد وهي الصببية وأعمالها وزيادة عليها، وحضر مع كتبغانوين الوقعة، فلما انكسر وأحضر إلى المظفر مستأمناً فقال له: كان هذا يكون لو حضرت قبل الوقعة، وأما الآن فلا، وأمر به فقتل صبراً.
وقتل أكثر التتار، وجهزت خيل الطلب وراء من هم بالفرار، وكان المقدم عليها الأمير ركن الدين بيبرس البندقدارى، فتبع المنهزمين وأتى عليهم قتلا وأسرا حتى استأصل شأفتهم، فلم يفلت أحد منهم، وصادفت طائفة من التتار جاءت من عند هلاون مددا لكتبغا، فلما وصلت هذه النجدة إلى بلد حمص صادفت التتار منهزمين على أسوأ الأحوال، والخيول تجول في طلبهم كل مجال، فلم تمكنهم الهزيمة، فكانوا للسيوف غنيمة، وكانت عدتهم ألفين، فلم يبق لهم أثر ولا عين.
وكان أيضاً في صحبة التتار الملك الأشرف موسى صاحب حمص، ففارقهم وطلب الأمان من السلطان الملك المظفر، فآمنه ووصل إليه فأكرمه وأقره على مابيده وهي حمص ومضافاتها.
ومما اتفق في هذه الوقعة ان الصبى الذي استبقاه السلطان الملك المظفر من التتار المرسلين إليه من عند كتبغا، وأضافه إلى المماليك السلطانية، كما ذكرناه، كان راكبا وراءه حال اللقاء، فلما إلتحم القتال كيزسهما وفوقه نحو المظفر، فبصر به بعض من كان حوله، فأمسك وقتل مكانه، فكان كما قيل:
واحذر شرارة من أطفات جمرته ... فالثأر غض لو بُقِّى إلى حين
وفي تاريخ النويرى: ضرب ذلك الشاب السلطان بسهم فلم يخطىء فرسه فوقعت، وبقى السلطان على الأرض، فنزل فخر الدين ما ماى عن فرسه وقدمه إلى السلطان فركب، ثم حضرت الجنائب السلطانية فركب فخر الدين منها.
ثم لما فرغ السلطان من كسر التتار، وانقضى أمر المصاف، أحسن إلى الملك المنصور صاحب حماة، وأقره على حماة وبارين وأعاد عليه المعرة، وكانت في أيدى الحلبيين من سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأخذ السلمية منه وأعطاها للأمير شرف الدين عيسى بن مهنى بن مانع أمير العرب. ذكر دخول السلطان الملك المظفر دمشق
ثم لما جرى ما ذكرنا أتم السير السلطان الملك المظفر بالعساكر، وصحبته الملك المنصور صاحب حماة حتى دخل دمشق، وتضاعف شكر المسلمين لله تعالى على هذا النصر، فإن القلوب كانت قد يئست من النصر على التتار لاستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، ولأنهم ما قصدوا إقليماً إلا فتحوه، ولا عسكراً إلا هزموه، وفي يوم دخوله دمشق أمر بشنق جماعة من المنتسبين إلى التتار فشنقوا، وكان في جملتهم حسين الكردى طبردار الملك الناصر يوسف وهو الذي أوقع الملك الناصر في أيدى التتار.
وفي هذه النصرة، وقدوم الملك المظفر قطز إلى الشام يقول بعض الشعراء:
هلك الكفر في الشام جميعا ... واستجد الإسلام بعد دحوضه
بالملك المظفر البطل الأر ... وع سيف الإسلام عند نهوضه
ملك جاءنا بعزم وحرم ... فاعتززنا بسمره وببيضه
أوجب الله شكر ذاك علينا ... دائما مثل واجبات فروضه
وقال جمال الدين بن مصعب:
إن يوم الحمراء يوم عجيب ... بين مصر تركي يجود بنفسه
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 61