اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 5
ولما جرى ما ذكرنا من عصيان الملك المغيث بالكرك واستيلائه عليها وعلى الشوبك، واستيلاء الملك الناصر صاحب حلب على دمشق، ووقوع الاضطراب في مصر، اجتمعت البحرية والأتراك وأجالوا الرأي بينهم، وقالوا: إنه لا يمكننا حفظ البلاد وأمر الملك إلى إمرأة، وقد ورد في الحديث:) كيف يفلح قوم ولو أمرهم امرأة (.
وقالوا: لا بدّ من إقامة شخص كبير تجتمع الكلمة عليه ويشار في الملك إليه فاتفق رأيهم على أن يفوض أمر الملك إلى الأمير عز الدين أيبك الجاشنكير التركماني الصالحىّ مقدّم العساكر، فقاموا إليه وسألوه أن يولَّى عليهم ليقوم بسياسة الملك، فأجابهم على ذلك، وولوه، وعقدوا له، ولقبوه بالملك المعز، وركب بالسناجق السلطانية يوم السبت آخر ربيع الآخر من هذه السنة، وحملت الأمراء الغاشية في خدمته على العادة.
وهو أوّل ملوك الترك، وأبطلت السكة والخطبة التي كانت باسم شجر الدر في ثاني يوم تمليكه، وكانت مدة سلطنتها ثلاثة أشهر لأنهم كانوا عقدوا لها بالسلطنة في آخر المحرم، ثم خلعوها من السلطنة في آخر ربيع الآخر.
ذكرُ عَقْد السلطَنَة للملك الأشرف مظفر الدين موسى
ابن الملك المسعود صلاح الدين يوسف الملقّب بإتِسزْ ابن الملك الكامل بن العادل بن أيّوب والملك المسعود هو الذي ملك اليمن في حياة والده الملك الكامل كما ذكرنا، وكان السبب في ذلك أنهم لما رأوا وقوع الاختلاف في البلاد، واستيلاء كل أحد على ناحية، ووقوع الإضطراب في الديار المصريَّة، قالوا: لا بدَّ من إقامة شخص من بنى أيّوب ليجتمع الكلُّ على طاعته، ويرتفع الخلاف. واتفق رأيهم على إقامة الملك الأشرف مظفر الدين موسى المذكور، وأن يكون الملك المعزّ عز الدين أيبك أتابكة، والقائم بتدبير الدولة، والتقدمة على العساكر، فرضى الجميع بذلك، وأقاموا الأشرف المذكور، وأجلسوه في دست السلطنة والأمراء في خدمته يوم الخميس لخمس مضين من جمادى الأولى، وكان عمر الأشرف عشر سنين، وجلس على السماط على عادة السلطنة.
وكانت مدَّة سلطنة عز الدين أيبك خمسة أيام، لأنه تولى السلطنة في آخر ربيع الآخر يوم السبت، وخلع عنها يوم الخميس الخامس من جمادى الأولى.
ذكر ما جرى من الأمور بعد سَلْطنة الأشرف
منها: أنه كان في غزة جماعة من عسكر مصر مقدمهم ركن الدين خاص ترك، فاندفعوا إلى مصر لما بلغهم حركة الحلبيين إلى مصر، ونزلوا بالسانح، واجتمعوا، واتفقت كلمتهم على طاعة الملك المغيث صاحب الكرك، وخطبوا له بالصالحية يوم الجمعة لأربع مضين من جمادى الآخرة من هذه السنة فنودى بالقاهرة ومصر أن البلاد للخليفة المستعصم بالله، وأن الملك المعزم عزّ الدين ايبك نائبهُ بها، وجددت الأيمان للأشرف بالسلطنة، وللمعز بالأتابكيَّة، وندبت العساكر إلى السانح، فهرب من السانح الطواشيان شهاب الدين رشيد الكبير، وشهاب الدين رشيد الصغير، وركن الدين خاص ترك، وأقوش المشرف، وكانوا من جملة الذين اتفقوا على تمليك المغيث بن العادل صاحب الكرك، فقبض غلمان الرشيد الصغير عليه، وجاؤوا به إلى القاهرة، فاعتقل بها، ونجا الباقون، وخرجت الخلع للذين تخلَّفوا بالسانح وعفى عنهم، وطيبت قلوبهم، وخرجت لهم النفقة.
ومنها: أن في يوم الأحد لخمس مضين من رجب من هذه السنة رحل الأمير فارس الدين آقطاى الجمدار، وكانت إليه تقدمة البحرية الصالحية، من القاهرة متوجها إلى بلاد الشام، ومعه من العسكر ألفا فارس، فوصل إلى غزَّة، وكان بها جماعة من أصحاب الملك الناصر صاحب حلب الذى استولى على دمشق، فأوقع بها، فاندفعوا من بين يديه، ثم عاد الأمير أقطاى إلى الديار المصرية، ودخلها، وقبض على الأمير زين الدين قراجا أمير جاندار، وعلى صدر الدين قاضى آمد، وكانا من كبار الصالحيَّة.
ومنها: أنه قبض على الأمير جمال الدين النجيبي، والأمير جمال الدين أفوش العجمى، واعتقلا.
ومنها: أنها نقلوا الملك الصالح إلى ترتبه التي بنيت له عند مدرسته بالقاهرة بين القصرين، وعمل له العزاءُ بالقاهرة، وقطعت مماليكه شعورهم، وعملوا له عزاءً جديداً.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 5