اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 481
وقال صاحب النزهة: وكان خربندا أرسله إلى الشام في الرسلية وذلك لأمر جرى له كما سنذكره إن شاء الله تعالى، ولما توجه الشيخ براق إلى الشام كان معه بيرق خربندا وكتابه إلى سائر البلاد أن يخدموه أوفر خدمة، ولم يزل سائراً حتى وصل من ناحية الروم إلى بلاد سيس، فسمع صاحب سيس بقدومه، فركب إلى ملتقاه وأنزله في دار المضيف، وحمل إليه كل ما يحتاج، وكان معه خط خربندا بأنه يعطيه عشرة آلاف درهم، فأحضرها له وسير معه جماعة من أصحابه في خدمته إلى دربساك، وهي حده إلى بلاد المسلمين، ولم يزل براق حتى وصل إلى حلب، وعلم قراسنقر بقدومه فطلبه إليه، فلما حضر قرّبه وأدناه، ولما خلا به حدثه وسأله لما جاء به، فقال: جئت حتى أصلح بين الملك الناصر وبين خربندا بحيث أن لا يعلم بذلك أحد غيره، وفي الحال أرسل قراسنقر بريدياً إلى الملك الناصر يُعلم بذلك، وبعد قليل جاء البريدي وطلبه إلى دمشق، فجهز قراسنقر معه جماعة يخدمونه إلى دمشق، ودخلها في يوم مشهود لأنه قد كان وقع صيته بين الناس بأن شيخاً جاء من بلاد التتار يركب السبع، واجتمع خلق كثير عنده إلى أن دخل ميدان دمشق إلى القصر الأبلق، وحوله أصحابه، وكان نائب السلطان الأفرم جالساً في شباك القصر الذي يشرف على الميدان، وحوله أمراء دمشق مثل: بهادر رأس نوبة، وقطلبك الشيخي، وبكتمر أمير آخور، والبدري، وقطلوبك الوشاقي، فلما رآهم براق زمجر وأخذه حال الفقراء، وحمل عليهم يطلبهم، وكان في الميدان طير نعامة لها أربع سنين يربونها في الميدان، فلما رأت الشيخ براق حملت عليه، وقبضت بفمها على رقبته، وكادت أن تقصفها، وأرمت براق تحته وبركت فوقه، ولو لم يدركه الرجال لمات براق تحته، فتعجبت الناس منه، وعلم براق أن هذه عبرة ليعتبرها، فأسّرها في نفسه، ثم لما قام تقدم إلى الأفرم وسلّم عليه، وكذلك سلّم على الأمراء، فقال له بهادر آص: أش هذا يا براق؟ أنت تقول: إنك تركب الأسد في خراسان، فهذا طير من طيور الشام عمل بك ما حارت به الأوهام، ولكن أزلْ ما قلبك، واستغفر ربك، وتأدب مع رجال الشام، ثم إن بهادر آص حقق النظر فيه، فإذا هو محلوق الذقن، وقد عفى عن شواربه، وفي رقبته خيوط من صوف الأغنام، وفيها كعاب البقر والغنم والأحراش. فقال له: إش هذا؟ هو دينك. فقال يا أمير: المملوك رجل فقير من جملة فقراء المسلمين. فقال له بهادر آص: ما أنت مسلم. فقال له: لم؟ فقال له: بدليل واضح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو صادق في المقال: " قصّوا الشوارب واعفوا عن اللحى ". وأنت خالفت، قصّيت اللحية وعفوت عن الشارب، وهذه مخالفة لدين الإسلام ولمحمد عليه السلام، والله لولا حرمة مولانا السلطان لأضربن رقبتك. فقال براق: استغفر الله من سوء فعلي، ثم إن بهادر آص طلب مقصاً، فقص شواربه، ثم أمر ملك الأمراء أن ينزلوهم في اللمُنيبع، وأن ينقلوا إليهم كل ما يحتاجون إليه، ورتب لهم كل يوم: خمس أروس من الغنم، وقنطار خبز، وعشرين رطلاً من الحلاوة السكرية، وعشرة أطباق فاكهة، ثم أرسل البريدي إلى مصر بسببه، فرجع البريدي بطلبه، فجهزه النائب ورتب له الإقامات في الطرقات إلى غزة، ولما ورد غزة، فإذا بمرسوم السلطان حضر بالإقامة إلى حين يطلبهم، وذلك أن السلطان لما جاء إليه خبره شاور الأمراء فيه وما يكون الصواب، فاتفق رأيهم على أن لا يمكن من الدخول إلى مصر، فربما يكون من دخوله غائلة، فأرسل إليه مملوكاً من مماليكه يقول له: اكتب ما معك من المشافهة وسيّره، ثم رجع براق من غزة إلى دمشق، وصاحب دمشق جهّزه إلى أطراف البلاد وسار يطلب خربندا. ذكر من أنعم عليه بإمرة أو وظيفة ومن قطع
وفيها: تولى بكتوت الجوكندار المعروف بالفتاح وظيفة أمير جندار على ما نذكره.
وفيها: تولى قضاء الحنفية بدمشق يوم الأحد العشرين من ربيع الأول القاضي شمس الدين الأذرعي الحنفي، ثم عزل، وتولى عوضه قاضي القضاة صدر الدين أبو الحسن علي بن الشيخ صفي الدين أبي القاسم بن محمد الحنفي البصراوي، وذلك يوم الجمعة التاسع والعشرين من ذي القعدة منها.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 481