اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 448
وفيها قصد السلطان الصيد والفرجة، وطلب الأمير ركن الدين بيبرس وعرفه أن صدره ضيق وأنه يختار أن يتصيد نحو البحيرة، فأجاب إليه، وسيّر وراء ناصر الدين الشيخي الوزير وعرّفه أن السلطان يقصد الخروج إلى الصيد نحو البحيرة، وأمره أن يجهز الإقامات، فقال له الوزير: يا خوند ما لهذا الأمر إلا أن يخرج المملوك بنفسه بهذا السبب، وأيضاَ أريد أن أكشف أحوال الإسكندرية وما يتحصل منها، وللسلطان فيها مصالح، فرسم له بذلك، وكتب لسائر الولاة بتجهيز الإقامات، ثم خرج الوزير والمباشرون معه قبل خروج السلطان، ووصل إلى الإسكندرية، وخرج إليه الأمير بدر الدين أمير شكار وتلقاه، فلم يكرمه الوزير، ولم يُرَوْ له وجهاً، وكان الأمير بدر الدين هذا له حرمة عند سائر الأمراء وتقدم في الدولة، وله وصلة بالأمير سلار والأمير بيبرس، فلما رآه تكبر عليه لم يلتفت إليه، ورجع إلى الإسكندرية، وشرع ناصر الدين في طلب الدواوين والحُسّاب، وطلب التجار وقصد العسف بأهلها، فلم يمكنه أمير شكار من ذلك، وأرسل إليه ناصر الدين يقول له إن أموال السلطان ضائعة وأنت تمنعني من استخراجها، وأرسل إليه أمير شكار يقول له: إن قصدك أن تخرب الإسكندرية وترميها في رقبتي، فاصبر إلى أن يجيء نائب السلطان وهو الذي تسلمتُ منه هذا الثغر فيتسلمه مني.
وفي أثناء هذه المفاوضة وصل مركب من تجار الإفرنج فيه بضائع كثيرة وتجارة عظيمة فيها الموجب للسلطان أربعون ألف دينار، فتحدث فيها ولم يعارضه أمير شكار فيها.
واتفق وصول السلطان على تروجة، فطلب ابن عبادة وهو وكيل السلطان، فقال له: أبصر لي دراهم ترسلها إلى الإسكندرية يُشترى بها هدية، فقال يا خوند: ما ثم الآن حاصل، فقال له: اقترض من أح من التجار ونحن نوفيه.
فركب ابن عبادة إلى أن وصل قريب إسكندرية، فوجد الوزير نازلاً بخيمة فما أمكنه أن يتعداه، فنزل وسلم عليه، فرحب به وأكرمه، وسأله إش قصده؟ وعرفه ما سأله السلطان، وما هو فيه من قلة النفقة، وحاله ضعيف، وأن الأمراء ما يدعون له تصرفاً ولا له خزانة.
وكان ناصر الدين ناظراً إلى حال السلطان مُلتفتاً إلى القرب منه، لأنه لما كان والي مصر، كان الأمراء رسموا له أن يكبس بيوت المنجمين، ويأخذ كتبهم وأوراقهم، لأنه بلغهم أنهم أخبروا أن الملك الناصر تطول أيامه وأنه يقتل الأمراء، ولما وقف ناصر الدين على كتبهم وأوراقهم وجد فيها أن الناصر يصلح شأنه جداً في آخر دولته وتطول أيامه، فلذلك كان ناصر الدين يتقرب إليه حتى تكون له منزلة عنده، ولما سمع كلام ابن عبادة قال يا مولانا: ملك مصر لا يجد لنفسه شيئاً حتى يقترض، ثم قال له: ارجع إليه وعرفه أن عندي ألفي دينار حاصلة، فإن كان السلطان يأذن لي أجيء إليه وأحضرها له، وقل له: إني أحق بجميع ما يختاره السلطان، فركب ابن عبادة وجاء إلى السلطان وأخبره بما جرى، ففرح بذلك فرحاً كثيراً.
وفي اليوم الثاني حضر ناصر الدين، ودخل على السلطان، وباس الأرض، وأجلسه بين يديه، ورحب به، وشرع السلطان يقول له ما هو فيه مع الأمراء من قلة نفاذ الكلمة وقصر اليد، فقال ناصر الدين: يا مولانا السلطان مهما تحتاج إليه عرفني به أحمل إليك، ولا تتكل على الطلب من الأمراء، وطول روحك يا خوند فإن الأمور مصيرها إليك، وجسّر السلطان على الأمراء، وهون أمرهم عليه، ثم نهض من عنده.
وكان هناك أصحاب النوبة والجمدارية، فسمعوا ما جرى بينه وبين السلطان، ثم إن السلطان أقام هناك أياماً، ثم رجع إلى المدينة، وكذلك ناصر الدين رجع إلى المدينة، بعد أن حصّل مالاً جزيلاً، وذهباً كثيراً، وكساوي هائلة، وبلغ الأمير ركن الدين بيبرس جميع ما جرى له مع السلطان، وأضمر في نفسه، ثم إن ناصر الدين عرّف بيبرس أن أمير شكار قد غلب على إسكندرية، وحصّل منها أموالاً عظيمةً، وكانت إسكندرية في ذلك الوقت ليس فيها للسلطان إلا شيء قليل، وكان فيها متجر وبيع وشراء لسائر الأمراء مثل سلار وبيبرس والجوكندار وبرلغى وغيرهم.
وفيها: بلغ النيل المبارك بعد وفائه إلى ستة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعاً، وكان قد توقف في أوائل الأمر، وتحسن فيه سعر الغلة.
وفيها توجه سلار إلى الحجاز الشريف بعد رحيل الركب المصري بأيام قلائل، وحج صحبته من الأمراء: الأمير عز الدين أيبك البغدادي.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 448