اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 446
وكان سلار يكرهه لقربه من بيبرس وتعرضه للأمراء، ومع ذلك لما نظر إلى ما قدمه أعجبه ذلك، وأراه البشاشة والقبول، وشكره على ذلك، ثم بعد أيام خاطبه الأمير سيف الدين برلغى، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار، وغيرهما، وقالوا: يا خوند من تعملون وزيراً وأنتم تسافرون بخير وسلامة. فقال: النُظار يتحدثون إلى حين نعود من الحج. فقال بكتمر الجوكندار: أنا أعرف واحداً يصلح للوزارة. فقال: من؟ قال: ناصر الدين الشيخي، فلما سمعه أحمرّ وجهه وظهر فيه الغضب. وقال: يا أمير ما يكفي ما سمعنا في حقه حتى نعمله وزيراً.
وبقي الأمير على ذلك إلى أن خرج الحاج، وتأخر الأمير سلاّر خلف الحجاج قليلاً، ففي يوم خروجه جاء إليه الأمير برلغى، وبكتمر الجوكندار، وطغلق، وتباكز، وجماعة آخرون من الأمراء، وسألوه أن يقبل شفاعتهم، وتولى ناصر الدين الوزارة إلى أن يحضر الأمير من الحجاز، فإذا حضر بخير وسلامة ووجده قد حصل من الأموال ما يرضيه يُبقيه وإلا فعل فيه ما يختاره، فقام برلغى وباس يده، وكذلك الجوكندار، وساعدتهما الأمراء الحاضرون ممن كان يتعصب لناصر الدين، فعلم الأمير سلار أنه لا يمكن ردّ كلامهم، ولا يفيد التعلل بعد وقوف هؤلاء، فأجاب إلى سؤالهم ورسم بكتابة توقيعه، وأحضروه، وباس يده، وما جاء آخر النهار حتى كُتب التوقيع، وفُصّلت له الخلعة، ولما أحضروا توقيعه قام الأمير سيف الدين برلغى وأخذ الدواة، وأخذ الأمير بكتمر الجوكندار المرملة، والأمير سلار ينظر إليهم وهم معتنون بأمره، ولكن قلبه يكره ذلك، فعلم على توقيعه وألبسوه الخلعة، وحضر ليبوس يده، فالتفت إليه والأمراء حاضرون وقال له: اسمع يا ناصر الدين أنا أقول لك قدام هؤلاء الأمراء: تعرف أشْ كنت وأين وصلت؟ وما أوصلك إلى هذه المنزلة سيفك ولا رمحك ولا فروسيتك؟ وإنما أوصلك شطارتك ومعرفتك وأمانتك، وأنا ما يمكنني أن أخالف هؤلاء، وإياك إذا حضرتُ من الحجاز أسمع عنك أنك ظلمت أحداً من الرعية، أو جددت ظلماً، أو أحدثت حادثاً، أو خنت في مال السلطان، فأسلخ جسد جنبك بالمقارع. فقال: يا خوند: ما يكون إلا ما يبيّض وجهي عندك، وباس يده وخرج من عنده، وهو طائر من فرحه بما نال، وما علم أن ليس لإرتقاء هذه الدرجة بقاء، ويصير ذلك التنعم إلى شقاء، وكل من تعدى درجته سقط، ومن استعلى على أبناء جنسه هبط.
وقال الشاعر:
ومن طلب العلياء ولم يك أهلها ... تُرجّله الأيام لو كان راكبا
قال الراوي: ولما خرج ناصر الدين من عند سلار نظر إليه من ورائه نظر المغضب، ومسك لحيته بيده وقال: يا قواد إن عشت ورجعت إن لم أقتلك تحت المقارع فلا يكون اسمي سلار.
ثم إن ناصر الدين جلس في دست الوزارة وحكم، وركب في اليوم الثاني في موكب عظيم، ثم طلب سائر المباشرين والولاة، فعزل ناساً وولى آخرين، ومدحته الشعراء مثل شهاب الدين الأعزازي، وشرف الدين القدسي، وغيرهما، فأحسن إليهم، وكان فيه كرم وأريحية، وسكن في دار الحاج بهادر آص المجاورة لمشهد الحسين رضي الله عنه، لأنه كان تزوج بزوجته، وكان إذا نزل من القلعة ينزل في حفدة كثيرة، وجميع أرباب الوظائف في خدمته إلى أن يصل إلى داره، وكانوا يترجلون له من بعيد حتى عز الدين الأشقر مشد الدواوين، والأمير بدر الدين المحسني متولي القاهرة، وكل منهما يعضده ويُنزله، ولا يلتفت إلى أحد منهم، وكان يفعل فعل من لا يفتكر في عاقبته، ومن غر بدنياه وسلامته، وسنذكر ما جرى عليه إن شاء الله تعالى. ذكر وفاة قازان بن أرغون
بن أبغا بن هلاون بن طولو بن جنكزخان في الثالث عشر من شوال منها:
قال بيبرس في تاريخه: وفيها، أي في سنة ثلاث وسبعمائة، اتفقت وفاة قازان ملك التتار بمقام جبل من نواحي الري، وذلك أنه لما بلغه انكسار جيوشه، واقتناص وحوشه، فاعتورته الهموم، واستولت عليه الغموم، ثم وصلت إليه صُبابات عسكره المغلول، مشمولة بالذلة والخمول، فسقط في يده، وفتّ ذلك في عضده، فمرض بحمى حادة، كان بها الحمام موصولاً، والحتف مقروناً، فمات مكموداً، وما نال مقصوداً، وأدركه الردى، وكفى الله شر العادي والعدى، وكانت مدة مملكته ثمان سنين وعشرة أشهر.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 446