اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 431
قال صاحب التاريخ: حكى لي بعض النصارى أنه باع في ذلك اليوم خموراً بإثني عشر ألف درهم، ولما جاء أوان عيده سيّر الأمير ركن الدين بيبرس متولي المدينة وجماعة من الحجاب ومنعوهم من ذلك، وكتب للولاة أن ينادوا في النصارى أن لا يخرج أحد في ذلك اليوم، ولما بلغ ذلك النصارى اجتمعوا بالتاج بن سعد الدولة ودخلوا عليه على أن يتحدث مع الأمير بيبرس، لما كانوا يعلمون من منزلته عنده، فشرع في الحديث معه من طريق الأموال، وأن هذا يحصل منه مال عظيم، والعادة جارية به، فلم يلتفت إلى كلامهم وقال: إن كان النيل ما يزيد إلا بهذا الإصبع لا يزيد ولا يطلع، وإن كان الله عز وجل يتصرف فيه كيف يشاء فهؤلاء يفشرون، فأبطله.
ومنها: أن القمامة التي بالقدس الشريف كان في وسطها قنديل كبير، صنعته أكابر النصارى، وفي كل سنة يوم معلوم عندهم يجتمع إليه النصارى من سائر الأجناس، ولا يوقد ذلك القنديل في كل السنة إلا في ذلك اليوم، ولا يظهر نوره إلا في الرابعة من ذلك اليوم، ومتى أبطأ في ذلك الوقت يقولون: إن نيل مصر في هذه السنة شحيح، وكانت عادة السلطان يبعث إليها قرب هذا اليوم من يثق بأمانته. فيحصّل شيئاً كبيراً من الذهب والفضة وسائر التحف، ثم يحضره إلى السلطان، وينقل من زيت ذلك القنديل إلى سائر نصارى البلاد من الملوك وغيرهم على سبيل التبرك عندهم، وكان هذا القنديل يشتعل من ذاته، وهو أمر عظيم عندهم، فهو الذي يكون سبباً لضلال النصارى وثباتهم على دينهم الباطل، واتفق أن نجم الدين بن الحباب سافر إليه في الدولة المنصورية حتى يتحقق أمر هذا القنديل، فلما حضر فحص عن ذلك واجتهد فيه إلى أن انكشف له أنه مصنوع من أدوية بحكمة مذكورة عندهم، وأن الشمس في الرابعة من النهار يقوى جرمها فيقع شعاعها من طاقة قريبة من القنديل المذكور، فإذا وقع يطلقون موضع وقوع جرم الشمس شيئاً من القلفونية المصنوعة بالحكمة فتصل قوتها إلى فتيلة ذلك القنديل فيشتعل، فلما ظهر له ذلك كتب إلى الوزير والسلطان في ذلك فتهاونوا في أمره، فأمر الأمير بيبرس بمنعه وتبطيله، فأنكروا عليه من حيث أنه يحصل من ذلك كل سنة جملة من المال لبيت المال، ولم يزل يسعى فيه إلى أن كتب السلطان بإبطال ذلك القنديل، وكان آخر ذلك في صحيفته.
وفيها: كان صاحب سيس جهّز مركباً من مراكب الإفرنج وفيه أصناف كثيرة مقدار ما يساوي قيمتها مائة ألف دينار، على أنه يدخل بلاد قبرص والجزائر، فاتفق أن الله عز وجل أراد أن يجعلها غنيمة لأهل الإسلام، فأرسل ريحاً عاصفاً أتى به إلى ميناء دمياط، فأخذه المسلمون وغنموه.
وفيها: كان الجدب والقحط والغلاء ببلاد الشمال - بلاد طفطاي - لأنهم زرعوا ثلاث سنين فلم ينبت لهم شيء، فهلك الخفّ والحافر، وبلغت حالهم من القحط إلى أن صاروا يبيعون أولادهم ونسوانهم في الأسواق، فاشتراهم الفرنج والتجار وجلبوهم إلى سائر البلاد خصوصاً إلى مصر. ذكر القصائد التي مدح بها السلطان في هذه الغزوة
وأول من نظم في ذلك القاضي علاء الدين بن عبد الظاهر، نظم فيها مجلداً صغيراً وسماه: الروض الزاهر في غزوة السلطان الملك الناصر، وتوصل إلى أن قرأه عليه، وأنعم عليه بمائة دينار، من غير أن يعلم بها بيبرس وسلار.
ومن نظمه قوله:
هم زعموا بأنك ليس تأتي ... ركبت إلى لقائهم البريدا
ولاذوا بالفرار فلم تدعهم ... وأعددت السلاسل والقيودا
ومنها: قصيدة من نظم الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الملك العزازي الشاعر:
لقد تمت النعمى وضوعفت البشرى ... وأظهر هذا الفتح في الأوجه البشرا
فمن كان ذا ندر فهذا أوانه ... ومن كان ذا وتر فقد أدرك الوترا
هناء هناء أيها الناس فالهدى ... علا الشرك والإيمان قد غلب الكفرا
ولما غزا غازان عقر ديارنا ... وأعطاه من يعطي ومن يمنع النصرا
تمرّد طغياناً وتاه تجبراً ... ولم يستبن نصحاً ولم يستفق سكرا
وظنّ بأن لا غالباً لجنوده ... ولا قاهراً حتى فتكنا بهم قهرا
وراسلنا في الصلح مكراً وخدعة ... وأي امرىء يرضى الخديعة والمكرا
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 431