responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 42
وقتل شيخ الشيوخ مؤدب الخليفة صدر الدين على بن النيار، وقتل الخطباء والأئمة وحملة القرآن، وتعطلت المساجد والجماعات والجُمعَات مدة شهور ببغداد، وأمر الوزير بن العلقمى بأن تعطل المساجد والجوامع والمدارس والربط ببغداد ويستمر بمحال الروافض، وأن يبنى للرافضة مدرسة هائلة، ينشرون فيها علمهم، فلم يقدره الله عز وجل على ذلك؛ بل أزال نعمته عنه، وقصف عمره بعد شهور يسيرة من هذه الحادثة، واتبعه ولده فاجتمعا والله أعلم في الدرك الأسفل من النار.
ولما انقضى أمد المدّة المقدّرة، وانقضت الأربعون يوماً، بقيت بغداد خاوية على عروشها، ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صورهم وأنتنت البلد من جيفهِم، وتغير الهواء، فحصل بسببه الفناء والوباء الشديد، حتى سرى وتعدى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغير الجو وفساد الريح، فاجتمع على الناس الغلاء والوباء والفناء والطعن والطاعون.
ولما نودي ببغداد بالأمان خرج من كان تحت الأرض بالمطامير والقنى والمغاير كأنهم الموتى إذا نُبِشوا من القبور، وقد أنكر بعضهم بعضاً فلا يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوا وتلاحقوا بمن سلف من القتلى.
وكان رحيل هلاون عن بغداد في جمادى الأولى من هذه السنة إلى مقر مُلكه، وفوّض أمر بغداد إلى الأمير على بهادر، فوَّض إليه الشحنكية بها إلى الوزير مؤيد الدين ابن العلقمى، فلم يُمهله الله تعالى حتى أخذه عزيز مُقتدر في مستهل جمادى الآخرة، كما سنذكره في الوفيات إن شاء الله، فولى بعده الوزارة ولده عزّ الدين أبو الفضل، فألحقه الله بأبيه في بقّية هذا العام.
ويقال: إن هلاون عزم على إحراق مدينة بغداد لما أراد الرحيل عنها، فقال له كتبغا نُوين إنّ هذه المدينة أمّ المدن ومقصد التجار، فإذا أبقاها الملك حصل له منها مال جزيل، فأبقاها وشحَّن عليها، وسار عنها إلى الفرات.
وفي تاريخ بيبرس: ثم سار هلاون عن بغداد بعد انقضاء الشتاء إلى الشام، وجرد جيشاً إلى ميافارقين صحبة صرطق نوين وقطغان نوين، وكان بها الملك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك المظفر شهاب الدين غازى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب بن شادى، فحاصروها ونصبوا عليها المنجنيقات من كل ناحيةٍ، فقاتلت أهلها وامتنعوا عن تسليمها، وصبروا أنفسهم على الحصار الشديد والجوع المبيد، حتى أكلوا الميتات والدزواب والسنانير والكلاب، وطال عليهم الأمد، وقلت منهم القوة والجلد، فاستولى التتار على المدينة وفتحوها، وكانت مدة مقامهم على حصارها سنتين، فقتلوا وسبوا من أهلها خلقا كثيراً، وفنى الجُند من كثرة القتال، واشتداد النزال وأُسِرَ من بقى منهم، وأخذ صاحبها ناصر الدين الملك الكامل وتسعة نفر من مماليكه وأحضروا بين يدي هلاون، فقتلوا إلا مملوكاً واحداً اسمه قرا سنقر، أبقاه هلاون، وذلك أنه سألهم عن وظائفهم، فذكر له ذلك المملوك أنه كان أمير شكار للسلطان، فاستبقاه وسلم إليه شيئاً من الطيور الجوارح وحظِى عنده، واتفق حضوره إلى الديار المصرية في الأيام الظاهرية، فأعطاه السلطان إقطاعاً، وجعله مقدم في الحلقة.
وكان صاحب ميافارقين أديباً فاضلاً، وله نظم جيد، فمنه قوله:
تُرَة تسَمْعُ الدنيا بما أنا طالبٌ ... فلى عزَماتٌ دونهن الكواكب
وإن يكن الناعى بموتى مُعرضاً ... فأيُّ كريم ما نَعْتهُ النوائبُ
ومن كان ذكر الموت في كّل ساعةٍ ... قريباً له هانت عليه المصائب
وما عجبي إلا تأسُّفُ عاقِلٍ ... على ذاهبٍ من ماله وهو ذاهبُ
؟ ذكرُ ما جرى لأصحاب البلاد مع هَلاوُن:

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 42
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست