responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 415
وكان الشيخ ابن تيمية يحلف للأمراء وللناس أنكم لمنصورون في هذه الكرة على التتار، ثم يقول إن شاء تحقيقاً لا تعليقاً، وكان يتأول في ذلك أشياء منها قوله تعالى: " ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغى عليه لينصرنه الله إن الله لعفو غفور ".
ولما كان يوم الأربعاء الثامن والعشرين من شعبان: خرجت العساكر الشامية فخيمت على الجسور ومعهم القضاة.
ولما كان ليلة الخميس: ساروا إلى ناحية الكسوة، وقد وصلت التتار إلى القطيعة، فانزعج الناس لذلك، ولم يبق حول دمشق من القرى والحواضر أحد، وامتلأت القلعة، وازدحم الناس في المنازل والطرقات، وخرج تقي الدين بن تيمية صبيحة يوم الخميس المذكور من باب النصر بمشقة كبيرة، وفي صحبته جماعة ليشهد القتال بنفسه ومن معه، وبقي البلد ليس فيه حاكم، وعاثت اللصوص والحرافيش في بساتين الناس يخربون وينهبون، وانقطعت الطريق إلى الكسوة، وظهرت الوحشة على البلد، ويتعجبون من أمر الجيش مع كثرتهم أين ذهبوا، ولا يدرون ماذا فعل الله بالناس، فانقطعت الآمال، وألح الناس في الدعاء والابتهال.
ذكر ما جرى لعسكر الشام
وما فعل التتار القادمون
ولما كان الناس في الحيرة والدهشة من قدوم التتار وتأخر السلطان، وعدم علمهم بأمر عسكر الشام، جاء فخر الدين إياس أحد أمراء دمشق آخر نهار يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان يبشر بوصول السلطان واجتماع العساكر المصرية والشامية، وقد أرسل ليكشف هل طرق البلد أحد من التتار، فوجد الذين يكشفون الخبر أن التتار قد عرجوا عن دمشق إلى ناحية العساكر، ولم يشتغلوا بالبلد، لأنهم كانوا يقولون: إن غلبنا فالبلد لنا وإن غلبنا فلا حاجة لنا به، فعند ذلك نودى في البلد بتطييب الخواطر لأن السلطان قد وصل وإن التتار غير متوجهين إلى البلد، فسكنت قلوب الناس، والله المستعان.
وقال بيبرس في تاريخه: ولما عاد التتار الذين انهزموا من القريتين اجتمعوا مع بقية عساكرهم وتحدثوا في مشاورهم وقالوا: إن السلطان لم يتحرك من الديار المصرية في هذه الأيام، وما ثم إلا بعض العسكر المصري وعسكر الشام، واتفقوا على المبادرة ليغتنموا الفرصة على زعمهم وأقبلوا مسرعين بطمهم ورمهم، فكثرت الأراجيف لمفاجأتهم والإنذار بمهاجمتهم، هذا والسلطان ومن معه لم يتحقق حالهم، ولا علم قبالهم، فتقسمت الأفكار والظنون، وتطلعت لقدومه العيون، واجتمعنا للاستخارة، واقتدحنا زناد الاستشارة، فأجمعنا على استطلاع الحال قبل العزم على الترحال.
قال: فتوجهت مستكشفاً، وللأخبار متعرفاً، فلما وصلنا القطيعة صادفنا عسكر حلب وحمص وحماة قد تقدموا جائين، وأقبلوا متواترين، وأخبروا بأن العدو سائر سير المجد في الرواح والغدو، وقد اقترب الإفدام من الأقوام، ودنت الخيام من الخيام، فرجعنا إلى مرج راهط، وخرج الأمير ركن الدين الأستادادار، والأمير جمال الدين أقوش الأفرم، ومعهما الأمراء المصريون والشاميون، فاقتضت الآراء التأخر عن المرج قليلاً والنزول من دونه ولو ميلاً، ريثما يحصل التوثق من وصول السلطان واجتماع العساكر قبل أن يلتقي الجمعان، فلما رجعوا إلى خلف شيئاً يسيرا ولت الأطلاب، وعادت العساكر على الأعقاب حتى إن أكثرهم ترك حماله، ورمى أثقاله، وأهمل قماشه وماله، ولم يتهيأ ردهم ولا أمكن صدهم، وعبروا على مدينة دمشق بهذه الصورة، فتصدعت قلوب أهلها المكسورة، وعجوا وضجوا واستصرخوا ولجوَا، وحملهم مادهموه من انتقاض العزائم على أن صرحوا بالشتائم، وبادر أكثرهم بالجفل لينجو، وقالوا: إذا رجعت عنا العساكر فأيَ حياة نرجو، فحصل بلطف الله التوقف والتثبط والتمسك بالمرج والتضبط، فما كان إلا كلمح شرارة أو وحي إشارة حتى أتى البريد مخبراً بإقبال الملك الناصر وأطلاب العساكر، فزال البأس وغلب الرجاء اليأس، ثم أقبل السلطان في جيوشه، وأسوده الكاشرة ووحوشه، فقويت القلوب، وانحلت الكروب، واجتمعت العساكر المصرية والشامية وتكتبت الكتائب المحمدية.
وقال صاحب النزهة: وقد كان السلطان كتب إلى نائب الشام والأمراء وعرفهم بأنه خرج من مصر وصحبته الخليفة المستكفي بالله أبو الربيع سليمان، فلما وصل إليهم الخبر فرحوا واستبشروا بذلك وطابت خواطر العامة بكون العسكر مقيمين عندهم، وكون السلطان في الطريق وهو جاي.

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 415
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست