اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 409
وقال بيبرس في تاريخه: وتواترت الأخبار بحركة التتار، ثم وردت كتب النواب بالبلاد الحلبية مخبرة بأن قطلوشاه نائب قازان قد تحرك إلى جهة الفرات، ويخشى من تقدمه إلى هذه الجهات، وأنه قدّم بين يدي قدومه كتاباً محشواً من خبثه ولؤمه ومضمونه ما معناه أن بلادهم في هذه السنة قد أمحلت، وأراضيهم من الأعشاب والمراعي خلت، وأن التتار على عزم الانتشار لارتياد المروج والأماكن التي توجد بها المرعى ويروج، وربما وصلت منهم طائفة إلى صوب الفرات لأجل قصد الأعشاب، فيحصل بهم الارتياب، وليس قصدي سوى الانتجاع والنزول بمهما صادفوا به خصباً من تلك البقاع، فإذا سمع أهل البلاد الحلبية وسكان الأعمال الفراتية باقترابهم لا يبرحون من أماكنهم ولا ينزحون من مواطنهم، فلا بأس عليهم وليس ثمّ تعرض عليهم، فعلم أن هذا الكلام عين الخداع، ولم يلج القلوب ولا الأسماع.
ثم تواترت الأخبار بقدوم التتار، وأنهم جاسوا خلال الديار، وقدمت طائفة منهم من جهة الرحبة، ووصلت إلى دير بسير، وجاءت طائفة على مرعش، فجفلت الرعية من البلاد الحلبية، وحصل التأهب والاهتمام، وبرزت المراسيم السلطانية بالاستخدام، وأن كل أمير من الأمراء بمصر والشام يستخدم نظير الربع من عدته ويضيفهم إلى جماعته، وقرر إلى أهل البلاد من الحواضر والبواد خيّاله يقومون بها من أموالهم، ويقيمونها من أحوالهم، واتفقت الآراء عند الاجتماع في المشاورة على تجريد مقدّمة من العساكر تقوية لجأش أهل الشام، وتثبيتاً لجيوشه على المقام إلى أن يتضح الحال ويزول الإشكال.
وقال صاحب النزهة: لما وصل القاصد إلى السلطان والأمراء، وأخبرهم بأن قازان مجتهد على دخوله البلاد، وقع اتفاق الأمراء مع السلطان على أنه لا بدّ من تجريد عسكر ويكون صحبتهم أمير كبير يشار إليه في الأمور، فإن فيه إرداعاً للعدو وتطميناً للإسلام وأهل القلاع والنواب، ويكونون مقيمين في دمشق، فإن وجدوا حركة قازان صادقة كتبوا إلى مصر فيخرج السلطان بمن بقي من الأمراء والعساكر، وإن كان قازان يبعث من يختاره من جنسه، ورأى نائب الشام والأمراء أن يلاقوهم بجميع عسكر الشام، فالرأي رأيهم في ذلك، وإن بلغهم أن عسكر قازان كثيرون يتأخرون قدامهم منزلةً بمنزلة إلى أن يدركهم السلطان مع العسكر، وما نهضوا من المشورة حتى وقع اتفاقهم على تعيين أمراء للتجريدة.
ذكر من جرد من الأمراء
ومن مضافهم إلى الشام
قال بيبرس في تاريخه: جرّد الأمير ركن الدين بيبرس أستاذ الدار، والأمير حسام الدين لاجين الرومي أستاذ الدار، والأمير سيف الدين طغريل الإيغاني، والأمير سيف الدين كراي المنصوري السلحدار، والأمير شمس الدين سنقرجاه المنصوري، وجامع هذا التأليف - وأراد به نفسه بيبرس الدوادار - قال: فكنا ستة من مقدمي الألوف، وجماعة المضافين من الأمراء والمقدمين، فرحلنا من مسجد التبر في الثامن عشر من رجب الفرد من هذه السنة، وسرنا على اسم الله وبركته، فلما وصلنا قاقون تواترت الأخبار بصحة وصول التتار، وأن قازان كان فيهم، وعبر الفرات معهم، وبلغ إلى الرحبة، فقصد منازلها ورام وحاولتها، وبها يومئذٍ نائب يسمى علم الدين سنجر الغتمي، فأرسل إليه الإقامات صحبة ولده، فتلطف به واستوقفه عما أزمعه من المحاصرة والمنازلة، وأرسل يقول له: الملك الآن سائر إلى الشام لقصد المدن العظام، وهذا بلد سهل المرام، فإذا أخذت البلاد التي قدامك وحويت تلك الممالك التي هي أمامك، فهذا البلد بين يديك وما يتعسّر أمره عليك، وخاطبع بهذا ومثله، فاستوقفه عن التعرض إليها، ثم أنه رحل ولم يعج عليها، وأخذ ولد علم الدين الغتمي المذكور صحبته إلى بلاد الشرق، ثم لم يلبث أن عاد راجعاً وعبر الفرات قاطعاً، وعدّى نحو بلاده مسارعاً، وجرّد من العسكر الذي وجهه نحو الشام قطلوشاه نائبه، ومعه اثني عشر تومان، لقصد هذه البلدان، وأخبروا أنه لما عاد عن الرحبة كتب منها كتاباً إلى أهل الشام يستغويهم ويستميلهم عن مضافرة أهل مصر ويخدعهم، وجعله ملطفاً، ودسه إلى من يوصله إليهم. ذكر نسخة الفرمان الذي سطّره قازان
من رحبة الشام
بسم الله الرحمن الرحيم فرمان السلطان محمود غازان
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 409