اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 400
وكان سفرهم من مصر في نصف ربيع الآخر، ورسم للأمير شمس الدين الأعسر أن يكون في جهة الواحات، وصحبته خمسة من الأمراء، وتفرقت عشرون من المقدمين الألوف بأمراء الطبلخانات، وتخلف مع السلطان أربع من المقدمين، وكان أول أمرهم من الجيزة وانتهوا في عمل قوص، واستقبلوا من وجدوه بسفك دمه، فمنهم من عف عن الحريم وعن الشيخ الكبير وعن الطفل، ومنهم من استحل الجميع، وكانوا إذا وجدوا رجلاً ويريدون مسكه فيقول الرجل حضري، فيقولون له قل: دقيق، فإذا قالها: دكيك يقتلونه، وإذا قال: دقيق يتركونه، وأخذل الله العرب إلى أن ضاقت عليهم المسالك، ورماهم الله في طريق المهالك، وما أحسوا بالعساكر إلا وقد دهموهم وأخذوا عليهم الطرقات، فأي موضع قصدوه وجدوا فيه طائفة من العساكر حتى إن الغلمان والجمالين يخرجونهم من الأماكن، أما الذين قصدوا جهة البحر فإن أكثرهم قتل بالنشاب والغرق، والذي سلم نفسه إليهم قتلوه، ولم يرفعوا عنهم السيف من الأعمال الجيزية إلى الأعمال القوصية من الشرق إلى الغرب حتى جافت سائر الطرق بالموتى، وأسروا منهم، فمن اختفوا بالفلاحة نحو ألف وستمائة نفر، وحصل للعسكر من الأموال والمواشي والخيل والسلاح ما لا يحصر، والذي فهم بالتقدير وأحيط به العلم من الغنم نحو ستة عشر ألف رأس، ومن الخيل نحو ألف وثمانمائة فرس، ومن الجمال نحو إثني عشر ألف رأس، ومن الأبقار من المعاصير وغيرها نحو ثمانية آلاف رأس، وما يعلم أحد ما حصل من الكسب للجمالين والغلمان، وبيع خروف سمين بثلاثة دراهم وما دونه، وبيع الماعز بدرهم وأقل من ذلك، والجزة الصوف المرعزي بنصف، والكساء بخمسة دراهم، والرطل من السمن بربع درهم، وكذلك الرطل من العسل.
وكانوا يجدون مطامير القمح فلا يلتفت أحد إليها، ولا يجدون من يشتريها أو يحولها، وما رجعت العساكر من بلاد الصعيد إلا وقد تركوها كما قال الله تعالى: " قاعاً صفصفاً، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا ".
وكان شخص يمشي في بلاد الصعيد بعد رجوع العسكر فلا يجد في طريقه أحداً، وإذا بات في بلد لا يجد من يحدثه فيه غير النساء أو الأطفال الصغار.
ولما وصلوا إلى القاهرة عرضوا الرجال الذين أحضروهم على السلطان، فاقتضى رأيهم أن يصفحوا عنهم ليذهبوا إلى البلاد لحفظ الزراعات والسواقي وغيرهما.
ذكر قضية الفتح أحمد بن البققي
بتاريخ يوم الإثنين الرابع والعشرين من ربيع الأول، قتل الفتح المذكور، وكان من أهل حماة، رمي بالزندقة، فمسك وسجن بالقاهرة ثم حكم فيه القاضي زين الدين بن مخلوف المالكي بما ثبت عنده من تنقيصه للشريعة المطهرة، واستهزائه بالآيات المحكمات، ومعارضته المشابهات، وذكر عنه أنه كان يحل المحرمات من اللواطة وشرب الخمر لمن يجتمع بهم من الفسقة من الترك وغيرهم من الجهلة، هذا وقد كان لديه فضيلة وله اشتغال وهيئة جميلة في الظاهر، ولبسة جيدة، ولما أوقف عند شباك الكاملية ببين القصرين استغاث بالقاضي تقي الدين بن دقيق العيد وقال: ما تعرف مني؟ فقال: إنما أعرف منك الفضيلة، ولكن حكمك إلى القاضي زين الدين، فأمر القاضي للوالي أن يضرب عنقه، فضربت وطيف برأسه في البلد، هذا جزاء من طعن في الله ورسوله.
وفي نزهة الناظر: وكان هذا الرجل من أهل حماة، وله اشتغال، وحفظ كتباً كثيرة، وكان ذكياً مفرطاً، وحفظ سائر كتب الفقه ودواوين الأشعار، وكان قليل الدين، سيء الاعتقاد، كثير الزندقة، وكان قد اشتغل بكتب المنطق والحكمة وهي التي أفسدت عليه نظامه، وكان له إدلال على القضاة وجرأة لسان من غير أن يهاب منهم.
وقال صاحب النزهة: حكى لي الشيخ فتح الدين بن سيد الناس أنه دخل يوماً على قاضي القضاة الشيخ تقي الدين، فسلم عليه ووقف بين يديه وسأله مسألة، وقصد الشيخ أن يجيبه عنها، فولى ظهره وهو يقول: وقف الهوى، وقف الهوى، فأجابه الشيخ تتمة البيت، فلم يعبأ به، وتتمته:
وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ... متأخر عنه ولا متقدم
أجد الملام على هواك يلذ لي ... حباً لذكرى فليلمني اللوم
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 400