اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 385
وقال صاحب نزهة الناظر: لما تولى ناصر الدين الشيخي استخراج المال المقّرر على هؤلاء المذكورين عجز عن ذلك، وبلغه كلام كثير منهم، فاختار أن يشرك الوزير معه في أمر الجباية، واتفق مع ذلك حضور بعض الجند وشكايته إليه ما قاسى من العامة ومن كلامهم الفاحش، وذكر أن الأجناد ما بقيت لهم حرمة عند العوام، وإذا وقف واحد منهم لشراء حاجته مما يتعلق بحال الجندية يسمعونه الكلام الفج ويقولون له: أما تستحون بالله تتحدثون اليوم وبالأمس كنتم هاربين، والآن تتشطرون علينا، وإذا هب واحد منهم على أحد من العامة بمقرعة في يده، ينهض إليه ويمسكها من يده ويقول: إش معنى ما كانت هذه الحرمة على مثل الذين فعلوا بكم كذا وكذا وهربتم منهم، فصارت الأجناد في ألم عظيم من مثل ذلك، وعرّف ناصر الدين الشيخي ذلك للأمراء، وأختار أن يشرك معه في هذا الأمر من هو أكبر وأكثرحرمة، فرسموا أن يكون شريكه في ذلك الأمير شمس الدين الأعسر، فإنه كان ذا حرمة عظيمة وهيبة قوية بحيث أن أحداً من العوام إذا وقف بين يديه لم يقدر أن ينطق بكلمة واحدة، فاستقام حينئذ حال ناصر الدين المذكور، ثم نودي في القاهرة بأن أيّ عاميّ يزيد في الكلام على جندي كانت روحه وماله للسلطان، فانقطعوا بعد ذلك عماهم فيه من تشويشهم على الأجناد.
قال الراوي: ثم جاء خبر من نائب الشام صحبة قاصد من عنده أن عسكر قازان يتواردون أولاً فأولا، وهو يحثهم على عبور الشام، وأنه قد استخرج من الأملاك والأوقاف وأصحاب البساتين أجرة أربع شهور وأنه استخدم بها من التركمان وغيرهم نحو ثمانمائة فارس، ونفق على كل جندي منهم ستمائة درهم نقرة، ثم أعرضهم وهم منتظرون حلول الركاب الشريف، فعند ذلك تجهزت الأمراء والسلطان للخروج.
؟؟ ذكر خروج السلطان من القاهرة متوجّهاً إلى الشّام لأجل حركة التتار:
كان خروج السلطان مع عساكره في النصف من شهر صفر من هذه السنة، وتموا سائرين إلى أن وصلوا إلى غزّة وأقاموا عليها يومين، والثالث ورود خبر من نائب حلب ونائب الشام صحبة القصّاد أن قازان قد توجه بجيشه إلى نحو جبال أنطاكية وقد جفلت أهل السّواد بين يديه، فكتب السلطان الجواب بأن تكونوا على يقظة من أمره، وتعرفوا بحركاته كل وقت، فاقتضى رأيهم الرحيل من غزة إلى منزلة العوجاء، فضربوا الدهاليز بها، وشرعت الأجناد في تسفير جمالهم إلى تحصيل الشعير والتبن وما يحتاجون إليه، وجاءت الأمطار الكثيرة بإذن الله خارجة عن الحدّ والعادة، واستمرت ليلاً ونهاراً عشرة أيام، ثم أصبحت في نهار واحد من بكرة النهار إلى الظهر، ثم شرعت وتزايدت إلى أن منعت المسافرين والجافلين عن جلب الأشياء، فضاقت بهم الأحوال، فصار كل أمير إذا أراد طبخ شئ من الطعام يستر مطبخه باللبابيد الكثيرة حتى يتيسر إيقاد النار، فأقامت المطر على منوال واحد أحداً وأربعين يوماً بلياليها، لم يتلذذ فيها أحد بالنوم من شدة البرد والرّعد والمطر والثلج والبرد الذي يمنع الرجل عن القيام لمصلحته، وكذلك بلغت أحوال الخيول فلا يقدر أحداً منها أن يضع جنبه على الأرض ولا يشرب الماء إلا من النهر الذي يجري بين يديه، فتحسنت أسعار التبن والشعير وغير ذلك.
قال صاحب النزهة: اشترينا الحمل من التبن بأربعين درهماً، والعليقة الواحدة بثلاثة دراهم، والخبز كل ثلاثة أرغفة بدرهم، والرطل من اللحم بثلاثة دراهم، وانقطع الجلب من سائر الأماكن، ثم حصل بعد ذلك سيل عظيم من الأمطار والثلوج التي ذابت من الجبال وانحدر في النهر إلى أن فاض من جوانبه وارتفع إلى أن علا من فوق القنطرة، وجاء عقيب ذلك برد عظيم جداً حتى مات من الغلمان جماعة كثيرة من البرد، وتلفت حال العسكر، وتلف جميع ما معهم من الثياب والقماش والخيام وأنواع المأكولات بحيث أن أحداً ما كان يقدر على القعود في الخيام من المياه من كثرة المطر، ثم أجمع رأيهم على الرحيل، فنودي بالعسكر بالركوب بكرة النهار، وأول من ركب وتقدم الأمير سيف الدين سلار نائب السلطنة، وقدّامه حزمة حطب على السرج ورماها في الوحل، ثم الأمير ركن الدين بيبرس، ثم بقية الأمراء أولاً فأولا ومماليكهم وغلمانهم، وكذلك أجناد الحلقة، وبيد كل واحد قفة أو مخلاة من التراب أو الحجر أو غير ذلك فيرميه في الوحل حتى تمشي الدواب عليه.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 385