اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 375
فلما صار بين العسكرين مسافة يوم واحد أرسل شخصاً يسمى بُغا ومعه مائة فارس ليكشفوا له الخبر، ويعلموا أين وصل طقطا ومن معه من العسكر، فسار لكشفهم، فلما أشرف عليهم أحاطوا به وقتلوا كل من معه وسلم هو بنفسه ورجع، فأخبر نوغيه بأنهم قد دهموه، فركب نوغيه وأولاده ومن عنده والتقى الجمعان على مكان يسمى كوكان تلك واقتتلوا: فكانت الكسرة على نوغيه وقت المغرب، وانهزمت بنوه وعساكره وتفرقوا، وثبت هو على ظهر فرسه، وقد طعن في السن وتغطت عيناه بشعر حواجبه وعلاه الكبر وضعفت به القدرة فوافاه روسيّ من عسكر طقطا فعرفه بنفسه وقال له: لا تقتلني فأنا نوغيه وأحملني إلى طقطا فإن لي به ولي اجتماعاً ولي معه حديث.
فلم يصغ الروسي إلى مقاله، بل خرّ رأسه لوقته وحاله، وأحضرها إلى الملك طقطا وقال له: هذه رأس نوغيه، فقال له: وما الذي أعلمك أنه نوغيه؟ قال: إنه عرّفني بنفسه واستوقفني عن قتله، فلم أصغ إليه وأجهزت عليه، فغضب طقطا لذلك غضباً شديداً وأمر بالروسيّ فقتل لكونه تعدى على مثل هذا الرجل الكبير الشأن ولم يُحضره إلى السلطان، وقال: إن السياسة توجب قتله حتى لا يعود أحد يفعل مثل ذلك، وعاد طقطا إلى مقامه وقد ظفر بمناه، وقرّت بنصرته على أعدائه عيناه.
وأما أولاد نوغيه ومن سلم من عسكرهم فإنهم استتروا بجنح الليل واختفوا في غمار عساكر طقطا، وتنادوا بشعارهم ليظنوا أنهم من أصحابهم، وكان شعارهم على ما حكاه من شهد الوقعة معهم: اتلَ بايق، فسلموا ليلتهم تلك، وساروا مغلّسين وعادوا راجعين، وكان الذي سُبي من نسوانهم وذراريهم الخلق الكثير والجمّ الغفير، وبيعوا بالأقطار، وجُلبوا إلى الأمصار، واشترى السلطان والأمراء منهم بالديار المصرية جماعة من الطوائف التي جلبها التجار، ودخلوا في دين الإسلام بالرغبة، وأقاموا الصلاة باجتهاد ومحبة، وصاروا من أنصار الملة وأعوان الأمة.
ذكر الخلف الواقع بين ولدي نوغيه
وهما جكا وتكا
وذلك أنهما لما عادا إلى مقامهما من الهزيمة، ورجع إليهما فلّ عسكرهما الذين سلموا من القتل والغنيمة، استقر جكا في تقدمة أبيه واستأثر بها دون أخيه، فأوغر صدره وغير ضميره، وأراد مفارقته واللحاق بطقطا هو وجماعته، ولله درّ القائل في مثل ذلك:
إذا أنت لم تُنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقلُ
ويركب حدّ السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مرْحلُ
واتصل بأخيه نفاره منه، وما أزمع عليه من الخروج عنه، فخشي غائلة ذلك، فجهز قوماً - في الباطن - إليه، فقصدوه ليلة من الليالي وهو راقد في خركاته خلي البال، فأحاطوا بالخركاة من كل الجهات، وطعنوه بالرماح وهو في الداخل حتى ظنوا أنه مات، وتركوه وعادوا، وبه رمق الحياة، فثارت الضجة في خيامه، وقام الصراخ بين أهله وألزامه، وسارعوا بإعلام أخيه إلى مصرعه، فبادر إلى نحوه سائلاً عن أمره، وموهماً أنه لم يشعر بقاصدي غدره، ودخل إليه في صورة الزائر، وأظهر له أنه متألم الخاطر، وأخذ يسأله عن القوم الذين أتوه، ويستخبره هل عرفهم حين طعنوه؟ فقال له أخوه إن الذي قتلني لن تطول مدته بعدي، وسيفقد عقيب فقدي، وإنك لتعرفه أكثر مني، وهو الذي جاءني ليسأل عني، فعلم أخوه أنه إليه يشير وله نسب تلك الحيلة والتدبير، فخرج من عنده ودسّ إليه من تمم قتله جهراً، فلما شاع ذلك بين عساكره وقومه أنكروه على أخيه، وتغيرت قلوبهم، وتشوشت خواطرهم، وفارقه كثير منهم.
وفيها: اشتهر في آخر السنة قتل جماعة من المسلمين ممن أسروهم من المغل، وكان قتلهم سراً في ديار بكر.
وقال علاء الدين علي بن مظفر الوداعي:
ما لبست الصوفَ من عبث ... ولا الخلقات مجانا
إنه زيّ لمن هو من ... فقراء الشيخ غازانا
وقال أيضاً:
أما دمشق فأهلها قد أصبحوا ... بكرية جعلوا التستّر مذهبا
سّراً وجهراً أنفقوا أموالهم ... حتى تحلل كل شخص بالعبا
وقال أيضاً:
شيخ غازان ما خلا ... أحد من تجرده
وغدا الكل لابسي ... خرقة الفقر من يده
وفيها: حج بالناس الأمير. ذكر من توفى فيها من الأعيان
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 375