اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 369
ولما استقر ركاب السلطان في القاهرة أمر للأمراء في أخذ الأهبة والتجهيز وتحصيل أصناف السلاح، فشرعوا في ذلك ولم يدعوا صانعاً إلا وأحضروه، وأمروا للوزير بجمع الأموال من سائر الجهات لأجل النفقات، وكان من أجلّ من قام في أمر النفقة الأمير سيف الدين سلار، والأمير سيف الدين بكتمر أمير جندار.
قال صاحب النزهة: حكى لي بعض مماليك بكتمر فقال: خرجت أنا والأمير ومعنا من مماليكه ستة أنفس من المصافّ يوم الهزيمة، وإذا أنا بشخص جندي اعترضنا وبيده رمح، وقال للأمير: إلى أين يا من يأكل ثلث ديار مصر، أما تستحي من الله وأنت هارب؟ قال: فالتفت إليه الأمير فقال: ويلك أنا وحدي إش أقدر أعمل؟ فتقدم أغير أنا وأنت. فقال: لأي شيء عملت لي لما قبضت ربع خبزك، فقال: أنا وأنت نأكل، وأنت تأكل ثلث إقطاعات مصر وأنا آكل خمسة آلاف درهم، فالآن تقول: تقدم للحرب، فأعرض عنه وتولى راجعاً وهو يقول: لا بيّض الله لك وجهاً ولا لخشداشيتك. قال المملوك المخبر لهذا: قصدت أن أرجع إليه أنا وبعض رفقتي فنقتله على إساءته الأدب على الأمير، فمنعنا الأمير وقال: خلّوه فإنه معذور والله لقد قلت للأمير سلار عدة مرات انظر في حال الأجناد، فما قبل كلامي.
قال صاحب النزهة: ثم حكى سيف الدين الطشلافي خشداش سلار قال: كنت مع سلار وخرجنا من المصاف وقد جرح فرسي وجرح لسلار فرساً تحته، ولما انهزمنا سقنا إلى أن وصلنا ديوسية فوق حمص في الليل، وكان أمامنا جماعة من الجند يتحدثون وفيهم واحد يقول لرفيقه: كيف كان خروجك وإش جرى لك؟ فقال: والله كنت أنا وفلان وفلان وسمى جماعة دخلنا في ضياع من ضياع حمص ووجدنا فيها جماعة يشترون شعيراً وكنا نحن ستة نفر، قد كنّا تحالفنا أن لا نحضر المصاف لأجل ما جرى علينا من أولئك الفعلة الترك بيبرس وسلار والبرجيّة، وذلك أنهم لا يذكرون الأجناد إلا بالسّبّ والشتيمة ويقولون: والله ما هم إلا سخرة، ولقد كتبنا قصة في غزّة وأعطيناهم لهم وقلنا: إنا قد خرجنا بلا نفقة متكلين على نفقة السلطان، وما معنا شيء ننفق، وألحفنا في الطلب، فكان جوابهم لنا: والله أنتم ما تنفقون شيئاً سواء تأخذون النفقة أو لا تأخذونها، ما عندنا شيء نعطيكم حتى نصير في دمشق، فلما حصلت النفقة في دمشق ألزمنا أنفسنا أن لا نحضر المصاف لأجل ما حصل لنا من الغبن،وهؤلاء يأكلون مصر كلها وقد تقاسموها ونحن كل واحد ما يصل خبزه ألفي درهم، ومع هذا ضاقت أعينهم علينا، وهذا الذي جرى عليهم بسبب الأجناد، فإن نياتهم للأجناد كانت سيئة، فقاتلهم الله تعالى وأحوجهم إليهم، وكان سلار يسمع ذلك ويبكي ويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقعنا والله في ألسنة الناس، هم معذورون. قال: وبقيت أشاغله حتى لا يسمع ما يقولونه، وهو لا يريد إلا سماع كلامهم، فيسمع ويتوجع لهم.
ذكر تصدّيهم للنفقات على العسكر
لما اجتمع الأمراء للمشاورة لأجل النفقة كان أول من تكلم فيها الأمير سلار والأمير بكتمر الجوكندار، وشرعوا في طلب الخيل التي في الدشار جميعها من البغال والأكاديش، وكتب لسائر الأقاليم بطلب العربان المستجيزة، وأخذ الخيل من عرب الصعيد والولاة، وفي طلب السيوف والرماح وغير ذلك من آلات الحرب، وسفروا البريدية لذلك.
وتحسنت أسعار الدواب، فالفرس الذي كان يساوي ثلاثمائة درهم بيع بألف، كذلك الجمال والبغال والهجن، واشترت الأجناد الخيل حتى من الطواحين، كذلك تحسنت أسعار سائر أصناف السلاح، والقرقل الذي كان يساوي مائة درهم بيع بسبعمائة، والبركستوان التي كانت تساوي مائتي درهم بيعت بألف، والجوشن الذي كان بخمسين بيع بمائتين وثلاثمائة، والخوذة التي كانت تساوي خمسين بيعت بمائتين وثلاثمائة وما توجد إلا نادراً، وتحسن أسعار سائر أصناف آلات الحرب، وأمروا أن يُضاف إلى كل واحد من الأمراء المقدمين الألوف عشرة من البطالين يقيم بهم طول السفر، ولكل واحد من أمراء الطبلخاناة خمسة أنفس، ولأمير العشرة شخصان، واستخدم الأمراء الذين لهم مقدرة جماعة برسم الغزاة في سبيل الله احتساباً، وكذلك كثير من الأغنياء، حتى استخدمت جماعة من نساء الأمراء اللائي فيهن الخير.
ثم إن السلطان فتح بيوت الأموال والذخائر وأنفق في الجيش نفقة ما سمع مثلها، فجعل الحلقة ثلاثة أقسام:
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 369