اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 363
وقدر الله من المعجز النبوي المصطفوي المحمدي على صاحبة الصلاة والسلام أننا من أولاد جنكزخان الأعظم الذي تحت حكمهم معظم الأقاليم العظيمة دخلنا في هذا الدين القويم والصراط المستقيم بغير تكليف، بل جلا نور هداية الحق ودين النبي المصطفى على قلوبنا، وكرّمنا الله بالإسلام، وفضّلنا بالعدل والإحسان ورسخ في قلوبنا محبة الدين الحنيفي، ووفقنا الله تعالى بالجهاد في قتل المشركين وعبدة الأوثان والمخالفين، وهدم بيوت الأصنام ودفع شر الظالمين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أمر الله في محكم كتابه: " إن الله يأمر بالعدل والإحسان " الآية. فأمرنا في الممالك كلها ببناء المساجد ونصب المنابر وإقامة الصلوات وإيتاء الزكاة، ونهينا عن أخذ الربا، ومنعنا من سائر أنواع الظلم والخطأ، فإن الظلم مرتعه وخيم، وقررنا في بلاد الإسلام الأموال المقننة لمصالح عساكر الإسلام عند المجاهدة في سبيل الله عز وجل، حسبما اقتضاه الشرع المطهر بلا إحداث قاعدة ولا حيف ولا عدوان ولا تطاول على أحد من المسلمين، واجتهادنا في استخدام هذه المعاني زائد عن الحد، " والحمد الله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ".
وحيث آباؤنا وأجدادنا سمّونا غازان، كان ذلك بتقدير الله عز وجل في الأزل في الإلهام الإلهي الملهم بالتلقيب لهذا الاسم الذي هو مشتق من الغزو، أوجبنا على أنفسنا الغزو والجهاد، وقمع المشركين والخوارج والمتمردين والظالمين، وسمعنا أن أهل مصر والشام الذين أمسى منهم مسلمون ما لهم عهد ولا ميثاق ولا أمانة ولا ديانة، ويأخذون أموال المسلمين، ويقصدون دماءهم، توجهنا قاصدين دمارهم لدفع الحركات الردّية البادية منهم، وإثباتهم على دين الإسلام ليكونوا هم وذرياتهم مفلحين من أهل الجنة، ويحصل لنا ثواب الاجتهاد، ويردهم السؤال في معنى خللهم وزللهم في دين الإسلام. والجواب أنهم لما تحققوا أننا أولاد سلاطين ربع أقاليم الأرض، وإنا مسلمون ومعاونون دين الإسلام يجب على كل أحد مطاوعتنا، اقتداء بكلام الله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم "، فحيث عصى من عندنا سولتمش، وانخرط في الخوارج والمرتدين، وأقدم على إيذاء المسلمين ببعض بلاد الروم، وتخريب بيوتهم، ونهب أموالهم، هرب من عسكرنا المنصور، وتوجه إلى تلك البلاد، كانت الشريعة النبوية والشفقة الإسلامية تقتضي أن تمسكوه وتبعثوه مغللاً بالحديد، مسلسلاً إلى عتبتنا العالية، فتغافلتم وتهاونتم عن هذا، بل زودتموه بالعساكر والأنعام والنجدة إلى فوج من التركمان، ووعدتموه مواعيد عرقوب حتى يقع القتال بين المسلمين من عسكرنا المغول وساكني بلاد الروم، وعسى ما بلغهم أن جميع عسكرنا من المغول والأيغورية والقفجاق والخطائية، وكل من كان بعد هذا من اختلاف الملل دخلوا كافة وطرا بصدق النية في الإسلام، وأدركهم بتوفيق الله حسن الاتفاق، وارتضعوا أفاويق الوفاق، ونحن كأسنان المشط في الاستواء والنفس الواحدة في التئام الأهواء، وما كان فينا من لم يؤمن بربه الأعلى ونبيه المصطفى، وعاش على دين المغول ثمانين عاماً، فإنه في هذه السنة آمن بالله والملة الحنيفية ودخل في زمرة المهتدين والحمد الله رب العالمين.
وإذا كنتم متهاونين في قضية سولتمش وسائر الطاغين، فالله تعالى الذي هدانا للصراط المستقيم ردّه مقيداً مكبلاً على يد أقل مملوك من مماليكنا، فجاءوا به إلى عتبتنا العالية لما أنعم الله علينا بالدين القويم، ووفقنا، لتشييد قواعد سنن رسوله الكريم، وأرشدنا في عنفوان الصّبا وريعان الحداثة للانخراط في سلك أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وعلى آله وصحبه الكرام، عسى لم يعجبكم تقوية دين الله عز وجل التي نحن مصرون عليها. ولو وصل لأجل هذا لقلوبكم البهجة والسرور لشكرتم الرحيم الغفور، وبعثتم من يهنئنا بدخولنا في دين الحق من إخوانكم وأقاربكم، فما فعلتم من هذا شيئاً؟ ألا إن من اعتصم بالله كفاه.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 363