اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 297
ووقعت النهبة في الوطاق، وما جاء المغرب حتى رجعت الأمراء بأطلابها وسكنت الحال، ورجعوا إلى مخيمهم ونزلوا، وأخذت حاشية كتبغا في الهزيمة، واستمر كتبغا سائقا إلى أن وصل إلى دمشق ومعه عشرون مملوكا، ودخل دار السعادة في السحر، واجتمع بمملوكه أغرلو نائب الشام، وأخبره ما اتفق له مع لاجين نائبه والحاج بهادر، وكيف غدروا به بعد الوثوق بهم.
وبلغ أهل دمشق حضوره وعلموا أنه ما جاء على هذه الهيئة إلا لأمر حصل. وكان قد وقع في نفوسهم له من الكره لأجل مصادرته إياهم، واجتمع على باب سعادة خلق كثير.
ورأى أغرلو أن السكوت في هذا الموقف يؤول إلى الفساد، فاقتضى رأيه طلب الأمراء والمقدمين، فحضروا، وطلب القضاة أيضا فحضروا، وعرفهم بما وقع من لاجين في حق السلطان، وأنه ما اختار أن يعمل فتنة، ولا يسفك دما، وأنه قصدهم لما يعلم فيهم خيرا، ثم قال لهم: هل أنتم على اليمين التي حلفتم، وأنكم رضيتم بسلطنتي، أو أنتم أيضا غدرتم، فقالوا: نحن ما حلفنا لغيرك وما رضينا سلطانا غيرك، فقدموا المصحف وحلفوا له ثانيا بأنهم باقون على أيمانهم لا ينقضون ولا يغدرون.
ثم أسرع السلطان في تفريق الأموال والنفقات في الجند، وقدر في نفسه أن يملك دمشق ويستمر سلطانا بها، ويستخدم عساكرها، كما فعل من تقدمه.
؟ ذكر بقية الحوادث: منها أن السلطان أفرج عن الأمير عز الدين أيبك الخزندار، نائب طرابلس، وكان اعتقاله دون أربعة أشهر، ولما كان السلطان بدمشق عرفه الأمراء بأنه من مماليك الشهيد، وأكبر خشداشية السلطان، وكان السلطان قال لهم إنه كثير الشر والعربدة، وأنه سكر، وقيل: أستاذ داره، لما تحدثوا معه في خلاصه، سعى إليه واستتابه عن الشراب فتاب، وضمنته الأمراء، وأفرج عنه وأنعم عليه بمال من الخزانة وإقطاع مائة فارس.
ومنها أنه وردت الأخبار في هذه السنة بإسلام قازان بن أرغون بن أبغا ملك المغول، والسبب في إسلامه أن وزيره نوروز كان من أكابر أمراء المغول، وله المنزلة الكبيرة، وكان يصحب المشايخ والفقراء، واطلع على كتب كثيرة، وعلم حقيقة دين الإسلام، ولما حصل له من القرب من قازان، وتوثق به قازان، وحكمه في مملكته، اتفق في تلك المدة وصول الشيخ صدر الدين بن محمد ابن حمويه الشافعي إلى نوروز، فتحدث معه، وأمره أن يستميل قازان إلى الإسلام، فاجتمع نوروز بقازان وتحدث معه في دين الإسلام، وبين له محاسنه، وما يحصل له من البركة، واستجلاب الرعية والتجار، ولم يزل به على ذلك إلى أن وافق على ذلك، وقال له: ينبغي أن يكون إسلامك على يد الشيخ صدر الدين المذكور، والشيخ علم الدين بن البرزالي، وكان عند نوروز، وكان كبير القدر، واتفق مع ذلك وصول الشيخ صدر الدين الجوينى بن شيخ الشيوخ ببغداد، وكان معظم القدر، صاحب علم ودين وبر، فاتفق الجميع، ودخلوا على قازان، فتلقاهم بالإكرام والقبول، وهداه الله إلى دين الإسلام، فأسلم على يدهم، وكان ذلك في العشر الأخير من شعبان، فعند ذلك أمر بالمناداة في أوردو برفع المظالم عن الناس، وإظهار شرائع الإسلام، وأمر بعمارة المساجد والجوامع، وصام شهر رمضان، وأسلمت معه جماعة من المغول، وكان له يوم الفطر عيد عظيم، وسمع الخطبة، ونثر على رأسه يوم صلاته في يوم العيد الذهب والفضة، وأمر أن تعمل له سناجق خليفتية، ورسم أن تخرب الكنائس والبيع، وقرر على اليهود والنصارى الجزية، وأقام الشيخ عنده يعلمه فرائض الإسلام، وقصد الشيخ الحج فجهزه، وسير معه نفقات كثيرة تعطى لأشياخ مكة وفقرائها. وشاع خبره في بلاد مكة وغيرها بأنه أسلم.
ولما وصل الخبر بذلك إلى السلطان، جمع الأمراء لذلك وعرفهم، فلم يعجب ذلك بعض الأمراء الكبار، وأنكروا إسلامه، وأنه ربما يكون ذلك مكيدة على المسلمين ليطمئنوا ثم يمشى عليهم على غفلة منهم.
ولما بلغ ذلك طرغاى وأصحابه الأويراتية أنكروه أيضا، وخطر لهم أنهم أشاعوا ذلك ليرغموهم على الإسلام، فلم يلتفتوا إلى ذلك القول.
وقد ذكرنا أن ابن كثير ذكر إسلام قازان في السنة الماضية، وذكرنا طرفا منه.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 297