responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 220
ثم ركب السلطان إلى أن وصل إلى دمشق المحروسة، وخرج أهل دمشق لتلقيه ولم يبق فيها أحد، فأقام بها أياما، ثم خرج وأتى إلى عكا بالعسكر، وكان نزوله عليها في العشر الأول من ربيع الآخر، فوجدها قد تحصنت بسائر العدد والآلات، وكانت الإفرنج استنجدوا بأهل قبرص وغيرها من الجزائر، وأرسلوا إلى ملوكهم الكبار، فاجتمع بها خلق كثير من الداوية والاسبتار، وكانوا قد كتبوا إلى ملوك الإفرنج مع الرهابين والقسوس، وذكروا في كتبهم أنه لم يبق حصن من حصون الإفرنج يأوون إليه في جميع السواحل غير هذا الحصن، وأنه متى أخذ لا يبقى لسائر الإفرنج مكان يذكرون فيه، فسيروا إليهم خلقا كثيرا ورجالا مقاتلة، وجهزوهم في المراكب، وحملوا لهم سائر ما يحتاجون إليه من العدد والآلات والإقامات وغيرها، فاجتمع فيها خلق كثير حتى لم يكترثوا بالمسلمين، ولم يغلقوا للمدينة بابا، وصاروا يخرجون إلى العسكر ويطلب فرسانهم المبارزة، وكان يهرع إليهم الجند من الحلقة والمماليك السلطانية، فيجرى بينهم الكر والفر والمطاعنة، فبقوا على ذلك أياما ونال منهم المسلمون، فجرحوا منهم جماعة، وقتلوا جماعة، وكانوا كل يوم لا يرجعون إلا وهم خاسرون، فرأوا من المسلمين ما ليس في بالهم، ثم امتنعوا عن القتال والمبارزة، فصاروا يقفون على الأبواب يحفظونها ولا يخرجون منها.
وكانت عدة ما نصب عليها من المجانيق اثنان وخمسون منجنيقا شيطانيا.
وقال بعضهم: اثنان وسبعون منجنيقا، ثم صمم السلطان على الحصار، فرتب الكوسات ثلاثمائة جمل، وزحف سحر يوم الجمعة السابع عشر من جمادى الأولى، ودقت الكوسات جملة واحدة عند طلوع الشمس، وطلع المسلمون مع طلوع الشمس، فنصبت السناجق الإسلامية فوق الأسوار، فولت الفرنج عند ذلك الأدبار، وركبوا هاربين في مراكب التجار، وقتل منهم خلق لا يعلم عددهم إلا الله، وغنموا من الأمتعة والرقيق والبضائع شيئا كثيرا جدا، وكان فتحها نهار الجمعة، كما أخذتها الفرنج في نهار الجمعة، جزاء وقصاصا، واستأصل منهم ما ينيف على عشرة آلاف نفس، ففرقهم السلطان على الأمراء ليقتلوهم.
وفي نزهة الناظر: ولما كان الناس في الحرب مع الإفرنج إذا سهم قد رمى من القلعة وفي نصله ورقة مشدود عليها بخيط، فوقع السهم في وسط العسكر فأخذوه وأحضروه إلى السلطان، ففتح الورقة فوجد فيها مكتوب بالعربي: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله، إن الدين عند الله الإسلام، يا سلطان المسلمين احفظ عسكرك من الكبسة في هذه الليلة، فإن أهل عكا قد اتفقوا على ذلك، وهم قاصدون الهجوم عليك، واحتفظ أيضا من أمرائك فإنهم ذكروا أن فيهم تخابرا عليك.
وكانت هذه الورقة من رجل من أهل عكا رزقه الله الإسلام وكان يكتم إسلامه، فلما وقف عليها السلطان طلب الأمير بيدرا والشجاعي وقرأها عليهما، فاتفق رأيهم أن يدور الحجاب والنقباء على الأمراء ويعرفونهم بهذا الأمر سرا فيما بينهم، وأن يحتفظ كل أمير بمكانه، واتفق في تلك الليلة أن هبت ريح عاصفة، فأظلم الجو لها ووافاها أهوية مختلفة، فكان ذلك مما فرح به الإفرنج، واجتمعت طائفة الداوية مع طائفة الاسبتار وتفرقوا، وخرجوا من أماكن يعرفونها، وركب بعضهم في المركب إلى أن صاروا على الأرض، ثم هجموا على العسكر وتصايحوا صياحا منكرا.
وكان أول وصولهم إلى نحو الميسرة، وكان فيها مركز الأمير بدر الدين بكتاش الفخري أمير سلاح، وكان الخبر عنده، وكان راكبا بمن معه واقفين خارج الخيم، فلما وصلت الإفرنج وقربوا من الخيم أرادوا أن يرموا نفطا عظيما كان معهم، فما لحقوا أن يتوسطوا الطريق حتى أخذهم الصياح من كل جانب، ورشقتهم السهام في الليل، فرجعوا على أعقابهم، وليس فيهم أحد يلتفت إلى من معه، ورموا منهم نحو العشرين فارسا، وخرجوا جماعة فأخذوهم أسرى.

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 220
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست