اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 192
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله مجزل العطاء، ومجدد النعماء، وممطر ديم الجود المستهلة بالأنواء، الذي شيدّ للإسلام ركنا، وبلغ كلاّ من أولياء الدولة ما كان يتمنى، نحمده حمدا يستغرق أنواع المحامد لفظا ومعنى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تحل قائلها من الكرامة بالمقام الأعلى والمحل الأسنى، ونشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله الذي كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتوالى وتتكرر فرادى ومثنى وبعد: فأنك أولى من خصّ من النعم بأحسنها، ومن قلد من العقود النفسة بأزينها وأثمنها من نشأ على طاعة الدولة الشريفة وغذىّ بلبانها، وإذا عدّ الأبطال كان أكبر فرسانها وشجعانها، وهو لسان المملكة المأمون على الأسرار، وليها الذي لا تتوارى شمس إخلاصه بحجاب، ولا بدره بسرار، ولما كان المجلس السامى الأمير الأجلّ الكبير الأوحد المؤيد النصير العضد الاسفسهلاّ الغازى ركن الدين، عز الإسلام مجد الأنام، نصره المجاهدين، لسان المملكة، عضد الملوك والسلاطين، بيبرس الدوادار الملكى المنصورى، أدام الله تمكينه ورفعته، طراز هذه الحلة، ونتيجة هذه الأدلة، وفارس هذا المضمار، ولركنه من المهام يستند، وإليه في مواقف الحروب يشار.
خرج الأمر العالى المولوى السلطانى الملكى المنصورى السيفى، أعلاه الله وشرفه، أن يجرى بإقطاعه مارسم به الآن من الإقطاع والجهات الديوانية الخاصة ولمن يستخدمه من الأجناد، وذلك لا ستقبال مغل سنة اثنتين وثمانين وستمائة.
وكان السلطان الملك المنصور أنعم على مملوكه بيبرس المذكور في السنة الماضية بخمسة عشر طواشيا، واستقر في زمرة الأمراء، وكتب له منشور بذلك، وألبس التشريف والشربوش.
ونسخة منشوره بإنشاء القاضى محي الدين بن عبد الظاهر وخطه: بسم الله الرحمن الرحيم.
أما بعد حمد الله الذي علم بالقلم، وجعله مؤاخى السبف في مهمات الأمم، وطاول به السمهرىّ، فنصب هذا لرفع العلم وهذا لجرّ العلم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المخصوص بأنواع الحكم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما تنسمت ثغور الديمّ، وشابت بالأنوار لمم الظلم.
فإنه لما كان المجلس السامى الأميرى الأجلّ الكبير المختار المجاهد الأرحد الأعز المرتضى الأكمل ركن الدين، مجد الإسلام شرف الخواص، بها الأمة، غرس الدولة، واسطة المملكة، اختيار الملوك والسلاطين، بيبرس الدوادار المنصورى، أدام الله رفعته وسموه ممن ربته النعماء في حجرها، وصرفته الآلاء في نهيها وأمرها، وأنشأنه المملكة تحت جناحها، ورتبته السلطنة في حمل ما هو أفخر وأفخم من حمل سلاحها، وحبته كلما يستدعى عطفها ويستديم شكرها له ووصفها، ويكون أحد معقباتها التى ما بين يديها من الأمر ولسواه من ذوى الأسلحة ما خلفها، وله نباهه تقدمه ووجاهةٌ تفخمه، وقدم خدمة يرشحه، وعظم حرمه توسع له مجال الاصطفاء وتفسحه، اقتضى حسن الرأى الشريف أن ينمى هلاله، ويدرج إقباله، ويقرب مناله، فذلك خرج الأمر العالى المولوى السلطانى الملكى المنصورى السيفى، لا يرح يجود، وباستخلاصه يسود من الأولياء من يسود، أن يجرى في إقطاعه ما رسم له الآن من الإقطاع لخاصته ولمن يستخدمه من الأجناد الجياد، المعروفين بالخدمة بالبرك التامّ والعدّة الكاملة، والعدّة الخاصّة، وخمسة عشر طواشيا.
وكان تاريخ هذا المنشور المبارك رابع عشر ربيع الأول سنة اثنين وثمانين وستمائة. ذكر بقية الحوادث
منها: أن في هذه السنة، كملت عمارة المدرسة المنصورية والبيمارستان والقبة والتربة ومكتب السبيل بالقاهرة المحروسة ببين القصرين، وجميع ملااهقها وما يتعلق بها، وأظهر الأمير علم الدين الشجاعي في نجاز هذه العمائر العظيمة، التي لم يسمع بمثلها في هذه المدة القريبة، ما تعجز الفراعنة عنه، وتقصر الهمم دونه، مع أفانين البنيان والأوضاع، وغرائب الترخيم والأدهان وسائر الأنواع.
ووصف الشعراء فنون هذه العمائر وبدائع إعجازها الذي يذهل الأبصار والبصائر، فكان مما قيل في ذلك قصيدة مطولة أنشاها شرف الدين البوصيرى الشاعر، فمن مختارها هذه الأبيات:
جوارك من جور الزمان يجير ... وبشرك للراجى نداك بشير
ومنها بعد المديح:
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 192