اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 188
ومنها: أن في هذه السنة توجه الملكان الصالح والأشرف ولدا مولانا السلطان الملك المنصور إلى جهة العباسية، فرمى الصالح كركياً بالبندق، وادعى لصاحب حماة، وأرسله إلى المذمور صحبة الركن بيبرس الفارقاني، وذلك لأنه كان كبيرا في البندق، وكان قدمته صالحية بخمية، فاستبشر بذلك، قال ما أعظم هذه المنايح وأنا غلام من صالح إلى صالح، وضربت البشائر بحماة أياما، وبالغ في التهاني إجلالا وإعظاما، وأوسع للرسول الحامل للطير إكراما، وجهز النقادم من القمىّ المذهبة والجراوات المزركشة والبنادق المصنوعة من الذهب، والخلعة الغيار المعلمة.
ومنها: أنه نجزت عمارة تربة كان السلطان قد رسم بعملها لوالدة ولده الملك الصالح، بشدّ الأمير علم الدين الشجاعى، بالفرب من مشهد السيّدة نفيسة، فنزل السلطان وولده إليها، وتصدقا فيها، ورتبا وقوفها وأحوالها.
واستحس السلطان وجوه المبارّ، ورآها أنفس الادّخار، فرسم بتعيين مكان تليق أن تبنى فيه مدرسة وتربةٌ ومارستان بوسط القاهرة، فلم يوجد لذلك إلا دار تعرف بالقطيبة بين الفصرين، فاشتراها السلطان من خاص ماله من وكيل بيت المال بوكالة الأمير حسام الدين نائبه عنه، وعوض من كان ساكنا بها بالقصر المعروف بقصر الزمرد، ورتب الأمير علم الدين الشجاعى مشدا على العمارة، وإحضار الآلات من جميع الجهات فأظهر من الإهتمام، وجمع الصناع من مصر والشام، وما لا يسمع بمثله في سالف الأيامن، وشرع في العمارة فأخرب قلعة الروضة واستعان بما فيها من الأصناف لعمارة هذا المكان، واجتهد فيه كل الإجتهاد، ففرغ البيمارستان بأواوينه الأربعة وشاذرواناته ورخامه وأنهاره الجارية، وبستانه، قبل أن يهل شهر رمضان من هذه السنة، واستمر العمل إلى أن تم وكمل على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
ومنها: أن السلطان أمر لنائب حلب بالإغارة علىجهة بلد الأرمن، فسيرّ جماعة مقدمهم الأمير سيف الدين بلبان الشمسى إلى الثنيات، فنزلوا عليها ونازلوها، ورموا بالمنجنيقات، وأحرقوا برجا من أبراجها، وبدنه من أسوارها، فصاح أهلها الأمان، وطلبوا من يتحدث معهم، فتوجه اثنان من الحلقة الحلبيةً، وتحدثا معهم بتقرير الحال على أن يقوموا بسبعة عشر ألف درهم برسم تطابيق الخيول، وعجلوا منها ألفي درهم واحضروا رهينة على بقية المبلغ، وبينما هم يتحدثون حضر قراغول التتار المجردين بالبلاد، وكان مقدمهم سيف الدين جنغلى ابن البابا إلى جبل ليسون، طالب فرصة، وأرسل جماعة من القراغول فتوقع عليهم اليزك الإسلامى وجهاً لوجه، وافتتلوا، فقتل أكثر التتار، وأمسك منهم ستة أنفار، واستشهد الأمير شهاب الدين حيدر، ثم عاد العسكر من هذه الغارة وقد حرقوا قلعة التينى، فلم يتمكن الأرمن من الإقامة بها بعد ذلك.
ومنها: أن في العشر الأول من شعبان جاء سيل عظيم بدمشق، والسلطان الملك المنصور بها، وأخذ ما مرّ به من العمارات وغيرها، واقتلع الأشجار، وأهلك الحيوان، والكثير من الناس، والخيل والجمال، وذهبت بما لا يحصى من الأقمشة والعدد والخيم والأموال، وكان السلطان قد أمر بالخروج من دمشق إلى مصر، وقرّر أن يكون توجهه في الحادي عشر من شعبان، وأحضرت جمال الخزائن والبيوتات، ولم يبق إلا إخراج الخزائن والآلآت، فرسم السلطان أن يكون نزول الجمال بعيدا عن الأبواب، وأن يؤخّر إخراج الخزائن ذلك اليوم، توفيقا من الله الذي ألهمه الصواب، فلما كانت ليلة الأربعاء العاشر من شعبان من هذه السنة هجم السيل، ومدّ لما جنّ الليل وجاء كأنّه الجبال، وجرى ما ذكرنا، ولم يدر أحد من أيّ جهة اندفع، فوصل السلطان فلعته يوم الثلاثاء ثامن عشر رمضان المعظم من هذه السنة.
وفيها: حج بالناس علم الدين سنجر الباشقرديّ. ذكر من توفي فيها من الأعيان
الصدر الكبير عماد الدين أبو الفضل محمد بن القاضي شمس الدين أبي نصر محمد بن هبة الله بن الشيرازيّ.
صاحب الطريقة المنسوبة في الكتابة، سمع الحديث، وكان من رؤساء دمشق وأعيانها، توفي في هذه السنة في شهر صفر.
الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام شمس الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد قدامة الحنبليّ.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 188