اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 182
ولما فرغ السلطان، وصفا باله، واستقام حاله، عاد إلى دمشق، والأسرى تساق قدامه في الكبول، وقد حمل ما نهب لهم من القسيّ والسناجق والطبول، وكان دخوله دمشق يوم الجمعة الثاني والعشرين من رجب من هذه السنة، فدخلها ونزل في القلعة مؤيدّا، منصورا، وكان أعظم الأيام قدرا، وأطرها عند الأنام نشرا، وأظهرها في وجه الزمان بشرا، بهذه النصرة العظيمة، والنظرة الوسيمة، والكسرة التي لم يرى مثلها في الأزمان القديمة، فإن جيش التتار لم يجز هذه الديار بمثل هذا الإكثار، ولا قصدها قبل هذه المدة في بعض هذه العدّة.
ذكر ما قيل في هذه الغزاة من الأشعار
قال القاضي فتح الدين محمد بن عبد الظاهر، كاتب السرّ المنصور، وناظر ديوان الإنشاء المعمور يذكر الواقعة بقصيدة جامعة لأحوالها، وهي:
الله أعطاك لا زيد ولا عمرو ... هذا العطاء وهذا الفتح والنصر
هذا المقام الذي لو لم تحل به ... لم يبق والله لا شام ولا مصر
من ذا الذي يلقي ذا العدوّ وكذا ... أو يدرع لامة ما لامها الصبر
يا أيها الملك المنصور قد كسرت ... جنودك المغل كسرا ماله جبر
وأستأصلوا شافة الأعداء وأن ... تصروا لما ثبتّ وزال الحوف والذعر
يا عزمةً ما رأى الراؤون مشبهها ... ووقفةً سار في الدنيا لها ذكر
لما بغى جيش أبغا في تجاسره ... ولن يمدّ له إلا القنا جسر
واستجمع المغل والتكفور راتفقوا ... مع الفرنج ومن أردي به الكفر
جاءت ثمانون ألفا من بعوثهم ... لأرض حمص فكان البعث والنشر
وافي الخميسان في يوم الخميس ضحي ... وامتدّت الحرب حتى أذن العصر
والسيف يركع والأعلام رافعة ... والروس تسجد لا عجب ولا كبر
والخيل لا تغتدي إلا على جثث ... والسهل من أرؤس القتلى به وعر
والبيض تغمد في الأجفان من مهج ... والسمر ناهيك ياما تفعل السمر
فجاء في رجب عيدان من عجب ... للسيف والرمح وهذا الفطر والنحر
فكان أسلمهم من أسلموه لأن ... يقوده القيد أو يسرى به الأسر
وراج فارسهم تراوح راجلهم ... تنتابه الوحش أو ينبو به القفر
فما وعي منهم واع رعيته ... ولا ارعوي لهم من روعة فكر
وكان يوم الخميس النصف من رجب ... عام الثمانين هذا الفتح والنصر
وعاد سلطاننا المنصور منتصرا ... فالحمد لله تم الحمد والشكر
وقال القاضي محيى الدين عبد الله بن عبد الظاهر، والده، من أبيات يصف فيها السلطان وحسن بلائه، وجميل أثره، وجزيل غنائه:
لله في حمص مقام قامه ... والنار من بين الأسنّة توهج
والناس قد فرّوا فلا متريّث ... والخلق قدهر بوا فليس معرّج
وهناك من تجد الملائك عصبة ... جاءته للنصر المبين تروّج
وهناك خالد قد أجار نزيله ... ونزيل خالد ليس ممن يزعج
فئنى العنان وما انثنى حتى بدا ... للدين من أمر الأعادي محرج
ملك به ردّ العدي لو انهم ... مما سبي أولادهم لم ينتجوا
البحر لولا أنه من كفه ... ما كان منه جوهر يستخرج
والصبح لولا أنه من شهيه ... ما فات ركض البرق منه يهملج
والليل لولا أنه من دهمه ... ما كان بالشهب الثواقب يسرج
والنصر لولا أنه من سيفه ... ما كان كرب في الوجود يفرّج
والروض لولا أنه في كتبه ... ما هبّ في الآفاق منه تأرّج
والسحب لولا أنها من جوده ... ما كان منها كل صدر يثلج
والنار لولا أنها من سخطه ... ما أحرق الأعداء منه تأجّج
فلمدحه ما حاكه ذو فكرة ... ولرمخه من نثره ما ينسج
يرضيك من فوق السوانح أروع ... منه ومن تحت التريكة أبلج
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 182