اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 174
فاتقى الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وانصر الشرع فإنك إذا نصرته نصرك الله على عدا الدين وعداك، وأفض العدل مخاطبا وكاتبا حتى تستبق إلى الإيعازبه لسانك ويمناك، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر عالما أنه ليس يخاطب غدا بين يدى الله تعالى عن ذلك سوانا وسواك، وأنه نفسك عن الهوى حتى لا يراك حيث نهاك، وحط الرعيّة، ومر النواب بحملهم على القضايا المرعيّة، وأقم الحدود وجنّد الجنود، وأبعثها برّا وبحرا من الغزو إلى كلّ مقام محمود، واحفظ الثغور، ولاحظ الأمور، وازدد بالاسترشاد بآرائنا نورا على نور، وأمراء الإسلام الأكابر وزعماؤه، فهم بالجهاد والذّب عن العباد أصفياء الله وأحبّاؤه، فضاعف لهم الحرمة والإحسان، واعلم أن الله قد اصطفانا على العالمين وإنّما القوم إخوان، لا سيّما أولى السعي الناجح، والرأي الراجح، ومن إذا فخروا بنسبة صالحيّة قيل لهم نعم السلف الصالح، فشاورهم في الأمر، وحاورهم في مهمات البلاد في كل سرّ وجهز، وكذلك غيرهم من أكابر الأمراء الذين من بقايا الدول: وذخائر الملوك الأول، أجرهم هذا المجرى، واشرح لهم بالإحسان صدرا، وجيوش الإسلام هم البنان والبنيان فوال إليهم الامتنان، واجعل محبتك في قلوبهم بإحسانك إليهم حسنة المربّى، وطاعتك في عقائدهم وقد شغفتها حبّا ليصبحوا لك بحسن نظرك إليهم طوعا، وليخصّك كل جنس من التقرّب إليك بالمناصحة نوعا، والبلاد وأهلها فهي وهم عندك الوديعة، فاجعل أوامرك بها بصيرة ومنهم سميعة، وأما غير ذلك من الوصايا فسنخلك منها بما نشأمعك توأما، ويلقك من آياتها محكما فمحكما، والله تعالى ينمي هلالك حتى يوصله إلى درجة الإبدار، ويغدّي غصنك حنى تراه قد أينع بأحسن الأزهار وأينع الثمار، ويرزق سعادة سلطاننا الذي نعتّ به تبركّا، ويلهمك الاعتضاد بشيعته والأستنان بسنته حتى تصبح لتمسكنا بذلك متمسّكا، ويجعل الرعيةّ بك في امن وأمان وعدل وإحسان حتى لا تخشى سوءا ولا تخاف دركا.
وقرئ هذا التقليد في الإيوان الكامليّ بالقلعة، وأفيضت الخلع على الأمراء والمقدّمين والوزراء والمتعمّمين، وانقضى المجلس من قراءته والناس قد عجلوا بالدعاء الصالح للمنصور والصالح.
ذكر توجّه السّلطان إلى الشّام وعوده من غزّة
ولما فرغ السلطان من هذا المهم أزمع التوجه من الديار المصريّة إلى البلاد الشامية، فخرج وصحبته العساكر الإسلامية قاصدا الشام لحماية الإسلام، ووصل إلى غزة فخيّم ظاهرها، وكان التتار قد وصلوا إلى عينتاب وبغراس والدربساك، وتقدّموا إلى حلب، فوجدوها خالية من العسكر، وقد أجفل أهلها منها، فأحرقوا الجوامع والمساجد والدور والمنازل، وعاثوا وأفسدوا، وذلك في العشر الأوسط من جمادى الآخرة من هذه السنة، فلما بلغهم وصول السلطان تفرقوا إلى مشاتيهم، فعاد السلطان إلى الديار المصريّة لاستحقاق ربيع الخيول وأمنه على الشام بانسداد الطرقات إليه بالثلوج والسيول.
وجرّد عسكرا صحبة الأمير بدر الدين بكتاّش النجمي إلى حمص، وعسكرا صحبة الأمير علاء الدين البندقدار الصالحيّ إلى الساحل، لحفظ البلاد من الفرنج بحكم أنه لم يكن بعد قرّر معهم هدنة، فخشى أن يجدوا في تلك الفترة الفرصة، فيحدثوا حدثا ويثيروا فتنة.
ذكر توجّه السّلطان ثانيا إلى الشّام
خرج السلطان الملك المنصور من الديار المصريّة طالبا الشام ثاني مرة، وكان خروجه من القلعة في مستهل ذي الحجة من هذه السنة، وخلف بها ولده الملك الصالح نور الدين عليّ، ورتّب الأمير علم الدين سنجر الشجاعي المنصوريّ في استخراج الأموال وشدّ الدولة وغير ذلك من المهمّات بالديار المصرية، وخرجت هذه السنة والسلطان على الروحاء.
ذكر بقيّة الحوادث في هذه السنة
منها: أن الأمراء الذين كانوا عند سنقر الأشقر قد تسللو قاصدين إلى الأبواب الشريفة، وكان الأمير عز الدين لأفرم بحماة، فلحقوا به، وهم: علاء الدين الكبكي، وعز الدين الكرجي، وبدر الدين بكتوت القطري، وبقي معه علم الدين سنجر الدواداريّ، والحاج عز الدين أزدمر، وبعض قوم من الظاهرية الذين كانوا مجّردين بالقلاع التي انحازت إليه.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 174