اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 171
وجزيت مرتكب الإساءة منهم ... الحسني فأصبح شاكرا زلائه
وأعاد من كان إقطاعه بدمشق إلى ما كان عليه، وعفا عفوا لم يسبقه أحد إليه.
وقال بيبرس في تاريخه: أخبرني من حضر هذه الوقعة أن سنقر الأشقر لما التقي مع علم الدين الحلبيّ دبّر حيلة أراد بها التمكن والاستظهار، فاحترز الحلبيّ منها وأخذ الحذار لأنه كان قد مارس الخطوب وباشر الحروب وشهد المواقف وخاض المتالف، فلم تتم عليه الحيلة، لا نشب فيما نصب خصمه من الأحبوله، وهي أنه قرّر مع العربان الذين جمعهم أن يقاطعوا ساعة الملتقى على العساكر المصرية ويجيئوهم من ورائهم ويحطوا أيديهم في نهب الأثقال والغلمان والجمال ليثنوا إليهم عنانهم، فيركب أكثافهم، ففعل العرب ما أوصاهم وجاءوا من ورائهم وشرعوا في النهب.
فقال له العسكر: إن العرب قد نهبت الأثقال والقماش والأحمال.
فقال: لا تلتفتوا إليهم ولا تعرّجوا عليهم، وشأنكم ومن قدامكم، فإنا إذا هزمناهم استرجعنا الذي لنا، وغنمنا الذي لهم، فأطاعوه وتقدموا، فاستظهروا وغنموا، وهذا تدبير ينبغي لمن يتقّدم على الجيوش أن يحكمه، ولمن يمارس الحروب أن يفهمه.
وقال ابن كثير: ولما استقرّ ركاب علم الدين الحلبي في دمشق بعد انتصاره على سنقر الأشقر جاء إليه قاضي القضاة شمس الدين بن خلّكان ليسلّم عليه، فقبض عليه واعتقله في الخانقاة النّجيبيّة، وكان ذلك في يوم الخميس العشرين من صفر من هذه السنة، ورسم للقاضي نجم الدين بن سنيّ الدولة بالقضاة فباشره، ثم جاءت البريديّة ومعهم كتاب من الملك المنصور بالعفو عنهم كلهم، فتضاعفت الأدعية للسلطان، وجاء تقليد النيابة بالشام للأمير حسام الدين لاجين السلحدار المنصوري، فدخل معه علم الدين سنجر الحلبي إلى دار السعادة، ورسم الحلبي للقاضي شمس الدين بن خلكان أن يتحول من المدرسة العادلية الكبيرة ليسكنها قاضي القضاة نجم الدين بن سنيّ الدولة وألحّ عليه في ذلك، فاستدعي جمالا لينقل أهله ونقله عليها إلى الصالحية، فجاء البريد بكتاب من السلطان فيه تقرير قاضي القضاة ابن خلكان على القضاة والعفو عنه وشكره والثناء عليه، وذكر خدمته المتقدّمة، ومعه خلعة سنيّة له، فلبسها وصلى بها الجمعة، وسلّم على الأمراء فأكرموه وعظموه، وفرح الناس كلهم بما وقع من الصفح عنهم وأمنهم في أوطانهم. ذكر ما جرى على سنقر الأشقر بعد انهزامه
قد ذكرنا أنه لما انهزم توجه إلى الرحبة مع العرب، وتفرق عنه أصحابه، ومن كان معه، وتركوه، وتراجع أكثرهم إلى السلطان لما علموا أنه أغمد سيف الانتقام، وأنشأ سحب الحلم والإنعام، ورأى سنقر الأشقر نفسه وحيدا، فطالب النائب بالرحبة بتسليمها إليه، فأبى وامتنع، وكان يسمى الموفق خضر الرحبي، فكاتب عند ذلك أبغا بن هلاون ملك التتار يعرّفه أن كلمة الإسلام قد تفرقت، وحلّة الإلتئام قد تمزقت، ويحثّه على المسير إلى البلاد الشاميّة ليتملكها، ويعده المناصرة عليها والمساعدة إذا جاء إليها، وكتب معه شرف الدين عيسى بن منهّا ملك العرب بمثل ذلك، وجهّز إليه قصّادا، فكان ذلك باعثا على حضوره على ما نذكره إن شاء الله تعالى.
فأرسل إليه السلطان شمس الدين سنقر الأشرفيّ يستميله، ويتلطّف به ليعود، ويسنى له الوعود، فأبى إلا الامتداد في غلواء جهالته، والإشتداد في ميدان ضلالته، وكان عند تغلبه على الشام قد كاتب النواب الذين بالقلاع، فمنهم من لم يطعه ومنهم من أطاع، فكان ممن أطاعه: صيهون، وبرزيه، وبلاطنس، والشغر، وبكاس، وحصن عكار، وشيرز، وحمص، ولما ضاقت به رحاب الرحبة بقي حائرا في أمره، وجرّد إليه السلطان جيشا صحبة الأمير حسام الدين بن أطلس خان، فبادر هو وعيسى بن مهنّا بالهرب إلى صهيون وذلك في جمادى الأولى من السنة المذكورة، فعاد ابن أطلس خان ومن معه، وقد كان بصهيون أولاد شمس الدين سنقر وحواصله.
وأما علم الدين سنجر الحلبي الذي دخل الشام بمن معه من الأمراء والعسكر بعد هروب شمس الدين سنقر الأشقر، فقد عادوا من الشام إلى الديار المصريّة، فشملتهم الخلع السطانيّة والإنعام الجزيل.
ذكر تجريد السلطان عزّ الدين الأفرم لحصار شيزر
وبها عزّ الدين كرجي:
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 171