اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 154
قال ابن كثير: وعمر شيئاً كثيرا من الحصون، والمعاقل، والجسور، والقناطر على الأنهار في بلاد الشام ومصر، وبنى بقلعة الجبل دار الذهب، وبنى قبة على إنني عشر عمودا ملونّة مذهبة، وصوّر فيها صور خاصكيته وأشكالهم، وحفر أنهارا كبارا وخلجانات ببلاد مصر منها: بحر السردوس، وبنى جوامع كثيرة ومشاهد عديدة، وجدّد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أحرق، ووضع الدرابزينات حول الحجرة الشريفة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وعمل فيه منبرا وسقفه بالذهب، وجدّد المارستان بالمدينة، وجدّد قبر الخليل عليه السّلام، وزاد في رواتبه وما يصرف إلى المقيمين، وبنى على المكان المنسوب إلى قبر موسى عليه السّلام قبّة قبلىّ أريحا، وجدّد بالقدس أشياء حسنة من ذلك قبة السلسلة، ورمم شعث الصخرة وغيرها، وبنى خانا هائلا بالقدس ونقل إليه باب قصر الخلفاء الفاطميين من مصر، وعمل فيه طاحونا وفرنا وبستانا، وجعل للواردين أشياء تصرفإليهم نفقة وإصلاح الأمتعة، وبنى على قبر أبي عبيدة رضى الله عنه بالقرب من عمتنا مشهدا وأوقف عليه شيئاً للواردين، وجدّد جسر فامية، وجدّد عمارة جعفر الطيار رضى الله عنه بالكرك، وأوقف على الزائرين شيئا كثيرا، وجدّد قلعة صفد وجامعها، وجدّد جامع الرملة وغيرها في كثير من البلاد التي كانت الفرنج قد عدت عليها، وبنى بحلب دارا هائلة، وبدمشق: القصر الأبلق، والمدرسة الظاهرية قبالة العادلية، وبنى بالقاهرة أيضا: المدرسة الظاهرية، وبنى جامعا هائلا بالحسينية، وله من الأثار والأماكن ما لم يبن في زمن الخلفاء وبني أيوب. السادس في
وفاته
قال بيبرس رحمه الله: وكان القمر قد كسف كسوفا كاملا أظلم له الجوّ، وتأوّل ذلك المتأوّلون بموت رجل جليل القدر نبيه الذكر، فقيل: إن السلطان لما بلغه هذه الإرجاف حذر على نفسه وخاف، وقصد أن يصرف التأويل إلى غيره لعله يسلم من شرّه، وكان بدمشق رجل من أولاد الملوك الأيوبيّة يسمّى الملك القاهر بهاء الدين عبد الملك من ولد الملك الناصر داود بن الملك المعظم عيسى بن السلطان الملك العادل أبي بكر بن نجم الدين أيوب، وكان يسكن البرّ، وتزوج من العرب، وأقام بينهم، يسير معهم حيث ما ساروا، وإذا غزوا غزا معهم، فحضر من الغزاة إلى دمشق، فأراد على ما قيل اغتياله، فأحضره في مجلس شرابه، فأمر الساقيّ أن يسقيه كأس قمز كان ممزوجاً فيما يقال بسمّ، فسقاه السذاقي ذلك الكأس، فأحسّ منه بالبأس، فخرج من المقام وعلقت به مخاليب الحمام، وغلط الساقي لإصابة المقدور، وملأ على أثره الكأس المذكور وأداره، والدائرات تدور فوقع في نوبة السلطان، فشربه ولم يشعر حتى أحس بالنيران، فكتم أمره عن الأطباء، وأخفى حاله عن الأحباء، ومكث أياما يشكو الليل والنهار من توقد وهج النار، ثم اضطر إلى اطلاع الطبيب بعد استحكام دائه، طمعا في دوائه، فلم ينجع العلاج، ولا نهضت قدرة الإساءة المزاج.
وأما القاهر فإنه حمل إلى منزله وهو مغلوب، فمات من ليلته ليلة السبت خامس عشر المحرم من هذه السنة.
وتمرض السلطان بعده أياما حتى كانت وفاته يوم الخميس بعد صلاة الظهر السابع والعشرين من المحرم بالقصر الأبلق، فكانت ذلك يوما عظيما على الأمراء وقال بيبرس في تاريخه: توفى في اليوم المذكور وقت الزوال، وحضر نائب السلطنة عز الدين أيدمر وكبار الأمراء والدولة، فصلوا عليه سراّ، وجعلوه في تابوت، ورفعوه إلى القلعة في بيت من بيوت البحرية إلى أن نقل إلى تربته تجاه العادلية الكبيرة ليلة الجمعة خامس رجب من هذه السنة، وكتم موته فلم يعلم جمهور الناس به حتى كان العشر الأخير من ربيع الأول، وجاءت البيعة للملك السعيد من مصر، فحزن الناس عليه وترحموا، وكان يوماً شديدا على الناس، وجدّدت البيعة، وجاء تقليد النيابة مجدّدا لعز الدين أيدمر.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 154