اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 148
ثم وصل بعدهم سيف الدين جندر بك صاحب الأبلستين، والأمير مبارز الدين أمير شكار، وبلغ السلطان أن التتار وصلوا إلى كوك صو مع توقو وتداون، فعاد السلطان إلى الديار المصرية لمهمات كانت بين يديه منها دخول الملك السعيد ولده بيته. ذكر عود السلطان من حلب إلى الديار المصريّة
عاد السلطان من حلب بعد مجئ الأمراء المذكورين وهم في خدمته، فوصل إلى مصر ودخلها في ثاني عشر شهر ربيع الآخر من هذه السنة، وكان يوم دخوله يوما مشهودا، وجهّز حاله عساكره وأمرهم بالتأهب والتجهز لما سمع من وصول التتار إلى القرب من أعماله الحلبيّة.
ذكر دخول الملك السعيد بابنة سيف الدين
ذكر دخوله الملك السّعيد بن السلطان الظاهر بابنة سيف الدين قلاون
وفي خامس جمادى الأولى من هذه السنة عمل عرس الملك السعيد على ابنة قلاون الألفي، واحتفل السلطان به احتفالا عظيما، وركب الجيش خمسة أيام في الميدان يلعبون ويتطاردون، ويحمل بعضهم على بعض، وقد لبسوا أكل العدد، ورتب لهم السلطان لعب القبق، فلعب السلطان بالميدان الأسود تحت القلعة، ولبس جوشنا وخوذة، وتقلد ترسا، وألبس فرسه العدّة الكاملة من البركستوان والوجه والرقبة، وساق تحت الفنق، ورماه باليد اليسرى فأصابه، وأخطأ غيره باليمنى بغير لبس، وأنعم على كلّ من أصاب من الأمراء بفرس بسرجه ولجامه وزينته من المراوات الفضة، ومن أصاب من المماليك والأجناد خلع عليه، وبقي هذا المهم ثلاثة أيام متوالية والناس في أفراح وسرور، وشاهد الناس منه ومن ولده الأسد وشبله ما يحار الناظرون ويدهش المتفرجون، ثم في اليوم الرابع خلع على الأمراء وجميع أكابر الدولة وأرباب المناصب من القضاة والوزراء والكتاب والمقدمين والمتعممين، فكان بلغ ما خلع ألفا وثلاثمائة خلعة، وراحت مراسيمها إلى الشام بالخلع على أهلها، ومّد في ذلك اليوم سماط عظيم لا يوصف، حضره الشارد والوارد، والخاصّ والعامّ، وجلس رسل التتار ورسل الفرنج والأمراء وجميع أكابر الدولة، وعليهم كلهم الخلع الهائلة، وكان وفتا مشهودا، وحمل صاحب حماة هدايا عظيمة، وركب إلى مصر للتهنئة، ودخل الملك السعيد بيته، وقدمت له التقادم فقبل منها القليل، وانقضى الوقت على الوجه الجميل.
ذكر مسير السلطان إلى الشام لغزو التتار
ولما قوي خبر هجوم التتار على البلاد الشاميّة واشتد عزمهم على ذلك خرج السلطان الملك الظاهر بيبرس من الديار المصرّية يوم الخميس العشرين من رمضان من هذه السنة، ومعه العساكر والجنود، وسار معهم، فدخل دمشق في سابع عشر شوال منها، فأقام بها ثلاثة أيام، ثم سار ومعه العساكر حتى دخل حلب مستهل ذي القعدة وأقام بها يوما، ورسم لنائب حلب أن يقيم بعسكر حلب على الفرات يحفظ المعابر، وسار السلطان، ولما وصل إلى كوكصو وهو النهر الأزرق تحرك توقو وتداون ومن معهما من عسكر التتار الذين انتقاهم أبغا واختارهم، فجهّز السلطان الجاليش ومقدّمة العساكر صحبة الأمير شمس الدين سنقر الأشقر، فوقع على ألف فارس من التتار مقدمهم كراي، فانهزموا بين أيديهم وتيقنوا أن الدائرة عليهم.
وقال ابن كثير: وقع سنقر الأشقر في اثناء الطريق بثلاثة آلاف من المغل فهزمهم يوم الخميس تاسع ذي القعدة من هذه السنة.
ذكر ملاقاة السلطان مع التتار وانتصاره عليهم
ثم إن السلطان الملك الظاهر قطع الدربند في نصف يوم، وصعد مع العسكر الجبال، فأشرفوا على صحراء الأبلستين، فرأوا التتار قد رتبوا عسكرهم، وهم اثنا عشر طلّبا، وعزلوا عنهم عسكر الروم خوفا من مخامرتهم، وكانوا في طلب واحد وحدهم، فلما تراءت الجمعان ورأى بعضهم بعضا بالعيان حملت ميسرة التتار، فصدمت سناجق السلطان، ودخلت طائفة منهم، قشقّوها، وساقت إلى الميمنة، فلما رأى السلطان ذلك أردف المسلمين بنفسه ومن منعه، ثم لاحت منه التقاتة، فرأى الميسرة قد كادت أن تتحطم، فأمر جماعة من الأمراء بإردافها، وقاتلت التتار مع المسلمين قتالا شديدا، وصبر المسلمون صبرا عظيما، فأنزل الله نصره على المسلمين وبأسه على الملحدين، فأحاطت بهم العساكر من كل جانب، وقتلوا منهم خلقا كثيرا، وقتل من المسلمين أيضا جماعة.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 148