اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 141
وفيها أطلع 593 السلطان على ثلاثة عشر أميراً من المصريّة، منهم قجقار الحمويّ، قد كاتيوا التتار، فأخذهم، فأقروا بذلك، وجاءت كتبهم مع البريد، فكان آخر العهد بهم.
ذكر خروج السلطان إلى الكرك
خرج السلطان الظاهر من الديار المصريّة في الثامن من صفر من هذه السنة، وتوجه على الهجن إلى الكرك من طريق البدرية، فبلغه أن الرجال الذين بها قد خامروا، فمسكهم وقطع أيديهم وأرجلهم، وأقام بالكرك ثلاثة عشر يوما، ثم عاد إلى جهة مصر، ودخلها في الثاني والعشرين من شهر ربيع الأول من هذه السنة.
ثم توجد إلى العباسة وولده الملك السعيد صحبته، ورمى البندق، وصرع ولده طيرا من الطيور الواجبة.
وفيها تحيّل السلطان على استخلاص رؤساء الشواني واستخراجهم من أسر الفرنج، وذلك أنه لما انكسرت الشواني بقبرس على ميناء نمسون كما ذكرنا، وأن صاحب قبرس أسر رؤساءها وأرسلهم إلى عكا فاعتقلوا بها في قلعتها، فبذل السلطان لهم مالا في إطلاقهم، فتوقفوا وتغالوا فيهم، فتحيّل واستمال الموكلين بحفظهم، ولم يزل يتلطف في أمرهم حتى سرقوا من محبسهم وخرجوا في مركب معدٍ لهم، وكانت لهم خيل معدة في البرّ، فركبوها، ولم يعلم بهم إلا وقد وصلوا إلى الأبواب السلطانية، وهم ستة نفر، وكان السلطان كما قيل:
لكم بلغت بحيلتي ... ما ليس يبلغ بالسيوف
وفيها: ورد كتاب ملك الحبشة واسمه محر أملاك يطلب مطران من بطرك الإسكندرية، فأجابه السلطان إلى ذلك، ورسم لبطرك اليعافية بأن يجهز إليه مطران، فجهزه وأرسله إلى السلطان صحبة رسله.
وفيها: توجه عسكر حلب إلى بلاد سيس، وأغاروا عليها، وعلى مرعش، وقلعوا أبواب ربضها، وتبع هذه الغارة خروج السلطان إليها، وإناخته عليها. ذكر خروج السلطان إلى الشام
برز السلطان 594 من قلعة الجبل في الثالث من شعبان من هذه السنة، ووصل إلى دمشق في سلخ شعبان، ودخل دمشق في يوم ثلج ألبس الأرض أثوابا، وفتحت السماء فكانت أبوابا وخرج عسكر الشام ملبسين متوجهين لغزو سيس وأعمالها، وأقام السلطان بدمشق بعدهم أياما قلائل، ثم جهز الجاليش صحبة الأمير سيف الدين قلاون الألفى والأمير بدر الدين بيليك الخرندار، فساروا سيرا عنيفا.
قال بيبرس في تاريخه: ووصلنا إلى المصّيصة على غرة من الاْرمن، فهجمت العساكر عليها عند فتوح أبوابها، فملكوها وقتلوا من بها وملكوا الجسر، وكان السلطان قد جهز المراكب وحملها صحبته على الجمال ليعدّوا فيها نهر جهان والنهر الأسود فلم يحتج إليها، ووصل إليها السلطان على الأثر، وجرد الأمير حسام الدين العينتابي ومهني بن عيسى إلى البيرة، ودخل السلطان سيس مطلّباً في العساكر والمواكب كالبدر المنير بين الكوكب، وأمر بتخريبها، ووصل دربند الروم، ووصل، ووصلت بعوثه إلى أياس، والبرزين، وآذنة، وقتلوا وغنموا، فقال في ذلك:
يا ويح سيس أضحت نهية ... كم عوّق الجاري بها الجارية
وكم بها قد ضاق من مسلك ... واستوقف الماشي بها الماشية
ولما عاد إلى المصّيصة راجعاً من الدربند أمر بإحراق جانبيها، فأحرقت، وتحكمت عساكره في كل ما حوت، فكان كقول البحتري:
سيوف لها في كل دار غداً رحى ... وخيل لها في كل دار غدا نهب
علت فوق بغراس فضاقت بما جنت ... صدور رجال حين ضاق بها الدرب
وما شكّ قوم أوقدوا نار فتنٍة ... وسرت إليهم أن نارهم تخبو
ثم خرج السلطان رحمه الله إلى مرج أنطاكية، فأقام به وجمع الغنائم في صعيد واحد من الخيل والجواري والمماليك والمواشي وغيرها، فقسمها بنفسه على العساكر، فلم ينس صاحب علم ولا ربّ قلمٍ، وأراح العساكر شهرا، ثم رحل إلى القصير فنازله، وهذا الحصن لبابا روميّة، وكانت مضرة على الفوعة وجهاتها، وكان أهله عند فتح أنطاطية سألوا الهدنة، فأجيبوا إليها فما وقفوا عندها، فرتّب السلطان عسكرا لحصاره، فسلّمه أهله، وحملوا إلى الجهات التي قصدوا، وأما العسكر والعربان الذين توجهوا نحو البيرة فإنهم وصلوا إلى رأس العين ونهبوا وغنموا ما وجدوا، وأما السلطان وعساكره فإنهم توجهوا إلى دمشق وأقاموا فيها إلى أن خرجت هذه السنة.
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 141