اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 134
خرج من الديار المصرية يوم التاسع والعشرين من محرم هذه السنة، فوصل إلى دمشق في الثالث من صفر، وطلع قلعتها ليلا.
وفي هذا الشهر: وصل رسل أبغا بن هلاون في أمر الصالح، وغيروا كلامهم، وقالوا: أولا إن السلطان يسيّر سنقر الأشقر يمشي في الصلح، ثم قالوا: إن السلطان يمشي في الصلح أو من يكون بعده في المنزلة، فاغتاظ السلظان من هذا الخطاب، وقال أيضا: إذا كان يقصد الصلح يمشي هو بنفسه، أو واحد من إخوته، وأعاد الرسل إلى مرسلهم في ربيع الأول منها.
ذكر عبور السلطان الفرات
وكان السبب في ذلك حضور دريبه ومن معه من التتار إلى البيرة، فنزلوا عليهت ونازلوها ونصبوا عليها المجانيق وآلات الحصار، وجرد دريبة طائفة منهم صحبة مقدم يسمى جيفرا إلى الفرات لحفظ المخائض، فنزلوا على مخاضة تعرف بمخاضة القاضي، وأقاموا لهم سياجا من السيب، وحاجزا من الخشب، ونزلوا وراء ذلك السياج، فسار السلطان بالعساكر الأسلامية المصرية والشامية حتى انتهى إلى تلك المخاضة، وأشرف على التتار من أعلى الجبل، وهم عليها نازلون، وبها محيطون فاستشار الأمراء الأكابر ومن جرت عادته بالإشارة في المشاور، فتقدم إليه الأمير سيف الدين قلاون وقال: هؤلاء أهون علينا من أن نستشير في أمرهم أو نتوقف دونهم وأنا أعبر إليهم وأهجم عليهم وإنما أحتاج دليلا يعرّفني المخاضة، فتقدم الدليل قدامه وتوجه بمن معه من مماليكه وأصحابه، فاقتحم الفرات وعبر على كواهل الصافيات، فثار التتار إليه وحملوا عليه فثبت لهم وصدمهم صدمة فرقتهم قوتها، ومزقتهم شدتها، وقتل مقدمهم جيفرا، قتله زين الدين كتبغا مملوك الأمير سيف الدين قلاون وقتل منهم جماعة، فعند ذلك عبر السلطان، وعبرت العساكر، فلما تكاملت الجيوش شرقي الفرات ولّي دريبة هزيمة، ورحل عن البيرة ذميما، وترك آلاته التي أعدّها للحصار، فنزل أهل البيرة فأخذوها واقتسموها، وسار السلطان إليها، فخلع على المغيثي النائب بها وعلى مقدّميها، وفرّق في أهلها أموالا كثيرةً، ثم عاد إلى دمشق في ثالث جمادى الآخرة ومعه الأسرى.
وأما دريبة فإنه لما حضر عند أبغا بن هلاون منهزما، وقد فقد رفيقه، وقتل أكثر من معه، عنّفه أبغا وعدّد له ذنوبه وقال له: كيف انهزمت؟ وما جرحت؟ وقتل رفيقك وما قتلت؟ وأمر بالحوطة عليه وإبعاده، وإعطاء تقدمته لأبطاي، فقال أبطاي: أنا أسدّ الخلل وأقوم بما قصّر فيه من العمل. ذكر توجّه السلطان إلى الديار المصرّية
ولما فرغ بال السلطان من جهة هؤلاء التتار عاد إلى دمشق، ثم سار إلى الديار المصرّية، فطلع قلعته في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة، وأفرج عن الأمير عز الدين الدمياطي من الإعتقال، وجلس لشرب القمز بحضرة أمرائه وأعيانه، قتذكروا وقعة الفرات، وأثنوا على الأمير سيف الدين قلاون في إقدامه يومئذ، فأنعم السلطان عليه بثلاثة آلاف دينار عينا، وفرس بسرج ذهب، وتشريف كامل، وجوشن، وخوذة، وسيف محلي بالذهب، فكان مقدار ذلك ألفي دينار عينا، فتكلمت منه من الحباء في ذلك اليوم خمسة آلاف دينار، ولما شربوا القمز ناول الهناب إلى الأمير عز الدين الدمياطي، وكان قد شابت لحيته، فقال يا خوند: شيبا وشاب تبيذنا، وغنت الانساء والشعراء بهذه الأبيات:
زعمت بنو قاقان أن خيولها ... تخشى العبور إليهم في الماء
فأتوا إلى شطّ الفرات وطلبوا ... متهيئين لغارة شعواء
وترجلت من بينهم أقشيّة ... مغل وكرج فيهم وخطاء
قصدوا بهذا منعنا عن برّهم ... غلطوا وخيّب مقصد الأعداء
فأناهم جيش النبيّ يؤمهم ... ملك الزمانٍ الظاهر الآلاد
بعصائب سودٍ عليها رنكه ... أسد يصيد فوارس الهيجاء
عام الفرات إليهم بصواهل ... ومناصل وعواسلٍ سمراء
فانفلّ جيشهم وولّى هارباً ... قد حاطهم ويل وفرط بلاء
وغدت سيوف المسلمين خصيبة ... عند اللقاء من هامهم بدماء
لله يوم بالفرات رأيته ... قد مر في ظفر ونصر لواء
ثم الصلاة على النبّي محمّد ... ما مالت الأغصان بالورقاء
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 134