اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 125
ولما دخل السلطان دمشق في التاريخ المذكور بلغه أن الفرنج أخذت من ميناء الإسكندرية مركبين، فخرج سريعا من دمشق إلى الديار المصريّة، وعبر في طريقه على عسقلان، وعفّى آثاره، ورمي حجارتها في مينائها، ثم وصل إلى مصر ودخل قلعته، ثم استفاضت الأخبار بقصد الفرنج بلاد الشام، وجهّز السلطان العساكر المنصورة لقتالهم، وهو ذلك مهتّم بمدينة الإسكندريّة، وقد حصّنها، وعمل جسورة إليهما إن دهمها العدّو.
وقال بيبرس في تاريخه: بلغ السلطان أن الفرنسيس، هو لويس بن لويس، والنكتار، وملك اسكوسنا، وملك نورك وهي بلاد السنافر، والبرشنوني واسمه ربدراكون، وغيرهم من ملوك الفرنج، اجتمعوا على صقليةّ، وشرعوا في تجهيز المراكب، ولم يعلم مقصدهم، فاهتم السلطان بالثغور والشواني، وحفظ الواحل والمواني، وعّمر الجسور إلى دمياط، وأنشأ القناطر، وكان قصد الفرنج بلد تونس، فساروا إليها ونزلوا على المعلّقة، فاجتمع الموحدون والعربان وغيرهم من المسلمين، فقاتلهم الفرنج وضايقوهم، فأراد الله هلاك الملك الفرنسيس، فلما مات رحلوا طالبين بلادهم، وأراح الله المسلمين منهم.
ذكر ما حصل في البلاد
منها: أنه حصل من الفرنج مضايقة عظيمة لابن الأحمر بالأندلس، وأتوا على أكثر ما في يديه من البلاد.
وابن الأحمر يسمى محمد بن نصر، أصله من مدينة جيّان بالأندلس، وهو ينتمي إلى الأنصار، وسبب ظهوره بالأندلس أنه كان يخدم منويل عمّ الفونس، فلما ضعفت دولة الموحدين أصحاب عبد المؤمن ووهت مملكتهم باستيلاء المريني عليها، وثب أهل الأندلس بمن كان عندهم من الموحدين أصحاب عبد المؤمن فقتلوهم عن آخرهم، وثار شخص يسمّى سيف الدولة محمد بن هود بالأندلس ولقب نفسه الخليفة، وتعرض إلى بعض البلاد التي في يد الفونس محمد بن نصر بن الأحمر، فكان كما قيل:
ولكل شئٍ آفة من جنسة ... حتى الحديد سطا عليه المبرد
فاستظهر ابن الأحمر على ابن هود، وكفّ عادته عن الفونس، واستفنح له بلاداً كثيرة، وقويت شوكته، وانتهى إلى غرناطة واستولى عليها، فلما استقّر وأمن على نفسه خلع طاعة الفونس، واستبدّ بما في يده، وطالت مدته، واتفقت وفاته في سنة سبعين وستمائة.
ومنها: أن أبا دبوس آخر الملوك من بني عبد المؤمن قتل في هذه السنة، وانقرضت بقتله دولتهم، وملكت بلادهم بعدهم بني مرين، وكان قتله في حرب بينه وبين مرين بني، واسم أبي دبوس: إدريس بن عبد الله بن محمد بن يوسف صاحب مراكش.
ومنها: أنه حصل بين منكوتمر بن طغان ملك التتار بالبلاد الشمالية وبين الأشكري صاحب قسطنطينيّة وحشة، فجهّز منكوتمر إلى القسطنطينّة جيشا من من التتار، فوصلوا إليها وعاثوا في بلادها، ومروّا بالقلعة التي بها عز الدين كيكاوس بن كيخسرو سلطان بلاد الروم، وكان محبوسا بها كما ذكرنا في سنة إثنتين وستين وستمائة، فحمله التتار بأهله ونسائه إلى منكوتمر، فتلقاه بالإكرام وعامله بالإحترام، وأقام في بلاد قرم، وزوجه بإمرأة من أعيان نسائهم تسمّى أرباي خاتون من بنات بركة، ولم يزل إلى أن توفي في سنة سبع وسبعين وستمائة، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، فسار ابنه مسعود بن عز الدين إلى بلاد الروم، وصار سلطان الروم على ما سنذكره إن شاء الله تعالى.
وقال بيبرس في تاريخه: خهّز منكوتمر جيشا إلى إصطنبول، وقصد أخذها من الأشكري لموجدة صارت بينهما، فوصل العسكر المذكور إلى إصطنبول في زمن الشتاء، وعساكر باليلوغوس متفرقة في البلاد، وكان رسول السلطان الظاهر إذ ذاك الوقت عند الأشكري، وهو الفارس المسعودي، فخرج إلى جيوش التتار وتحدّث مع مقدّمهم وقال: أنا رسول الملك الظاهر صاحب مصر، متوحّه إلى الملك منكوتمر، وأنتم تعلمون أن لصاحب إصطنبول صلح0 مع السلطان، وان مصر إصطنبول، إصطنبول مصر، وبين أستاذي وأستاذكم الملك منكوتمر صلح، فارجعوا ههنا، فاغتروا بقوله، ورجعوا عن إصطنبول وعبروا ببلادها، فنهبوا ماشاءوا، ومروا بالقلعة التي كان السلطان عز الدين كيكاوس صاحب الروم مسجونا، فأخذوه وحملوه إلى منكوتمر، كما ذكرناه الآن، وأما المسعودي فإن الأشكري أنعم عليه بمال وقماش وتوجه إلى منكوتمر فهم بضربه لكونه صد جيشه عن إصطنبول وردهم دون بلوغ المأمول، فشفع فيه فعفا عنه، ولما عاد إلى الملك
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين الجزء : 1 صفحة : 125