responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 116
قد علم القومص الجليل المبجل، المغزز الهمام، الأسد الضرغام بيمند، فحر الأمة المسيحية، رئيس الطائفة الصليبية، كبير الأمة العيسوية المتنقلة مخاطبته بأخذ أنطاكية منه من البرنسية إلى القومصية، الهمه الله رشده، وقرن بالخير قصده، وجعل النصيحة محفوظة عنده، ما كان من قصدنا طرابلس غزونا له في عقر الدار، وما شاهده بعد رحيلنا من اخراب العمائر وهدم الأعمار، وكيف كنست تلك الكنائس من على بساط الأرض، ودارت الدوائر على كل دار، وكيف جعلت تلك الجزائر من الأجساد على ساحل البحر كالجزائر، وكيف قتلت الرجال، واستخدمت الأولاد، وتملكت الحراثر، وكيف قطعت الأشجار، ولم يترك إلا ما يصلح للأعواد والمجانيق والستائر، وكيف نهبت لك ولرعيتك الأموال والحريم والأولاد والحواشى، وكيف استغنى الفقير، وتأهل العازب، واستخدم الخديم، وركب الماشي، هذا وأنت تنظر نظر المغشي عليه من الموت، وإذا سمعت صوتاً قلت فزعا: علىَّ هذا الصوت، وكيف رحلنا عنك رحيل من يعود، وأخرناك وما كان تأخيرك إلا لأجل معدود وكيف فارقنا بلادك، وما بقيت ماشية إلا وهي لدينا ماشية، وجارية إلا وهي في ملكنا جارية ولا سارية وهي بين أيدي المعاول سارية، ولا زرع إلا وهو محصود، ولا موجود لك إلا وهو منك مفقود، ولا منعت تلك المغاير التي هي في رؤوس الجبال الشاهقة، ولا تلك الأودية التي هي في التخوم مخترقة، وللعقول خارقة، وكيف سقنا عنك ولم يسبقنا إلى مدينتك أنطاكية خبر، وكيف وصلنا إليها وأنت لا تصدق أننا نبعد عنك، وإن بعدنا فسنعود على الأثر، وها نحن نعلمك بما تم، ونفهمك بالبلاء الذي عمّ: كان رحيلنا عنك عن طرابلس يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شعبان، ونزولنا أنطاكية في مستهل شهر رمضان، وفي حالة النزول خرجت عساكرك للمبارزة فكسروا، وتناصروا فما نصروا، وأسر من بينهم كندا صطبل، فسأل في مراجعة أصحابك، فدخل إلى المدينة، فخرج هو وجماعة من رهبانك، وأعيان أعوانك، فتحدثوا معنا، فرأيناهم على رأيك من إتلاف النفوس بالغرض الفاسد، 541 وإن رأيهم في الخير مختلف، وقولهم في الشر واحد، فلما رأيناهم قد فات فيهم الفوت، وأنهم قد قدر الله عليهم الموت، رددناهم وقلنا: نحن الساعة لكم نحاصر، وهذا هو الأول في الإنذار والآخر، فرجعوا متشبهين بفعلك، ومعتقدين أنك تدركهم بخيلك ورجلك، ففي بعض ساعة مرّ شأن المرء شان، وداخل الرهب الرهبان، ولان للبلاء القسطلان، وجاءهم الموت من كل مكان، وفتحناها بالسيف في الساعة الرابعة من يوم السبت رابع شهر رمضان، وقتلنا كل من اخترته لحفظها والمحاماة عنها، وما كان أحد منهم إلا وعنده شئ من الدنيا، فما بقي أحد منا إلا وعنده شئ منهم ومنها، فلو رأيت خيّالنك وهم صرعى تحت أرجل الخيول، وديارك والنّهاية فيها تصول، والكسّابة فيها تجول، وأموالك وهي توزن بالقنطار، وداماتك وكل أربع منهنّ تباع، فتشتري من مالك بدينار، ولو رأيت كنائسك: وصلبانها قد كسرت، وصحفها من الأناجيل المزوّرة قد نشرت، وقبور البطارقة قد بعثرت، ولو رأيت عدّوك المسلم داس مكان القداس والمذبح، وقد ذبح فيه الراهب والقسيس والشماس، والبطارقة قد دهموا بطارقة، وأبناء المملكة، وقد دخلوا في المملكة، ولو شاهدت النيران وهي في قصورك تحترق، والقتلى بنار الدنيا قبل نار الآخرة تخترق، وقصورك وأحوالها قد حالت، وكنيسة بولص وكنيسة القسيان وقد تركت كل منهما وزالت، لكنت تقول، ياليتني كنت تراباً وياليتني لم أوت بهذا الخبر كتابا، ولكانت نفسك تذهب من حسرتك، ولكنت تطفئ تلك النيران من ماء عبرتك، ولو رأيت مغانيك وقد أقفرت من مغانيك، ومراكبك وقد أخذت في السويدية بمراكبك، فصارت شوانيك من شوانيك، لتيقنت أن الإله الذي أنطاك أنطاكية منك استرجعها، والربّ الذي أعطاك قلعتها منك قلعها، ومن الأرض اقتلعها، ولتعلم أنا قد أخذنا بحمد الله منك كنت قد أخذته من حصون الإسلام، وهو دير كوش، وشقيف كفردوش، وجميع ما كان لك في بلاد أنطاكية، واستنزلنا أصحابك من الصيّاصي، وأخذناهم بالنواصي، وفرقناهم في الداني والقاصي، ولم يبقى شئ يطلق عليه اسم العصيان إلا النهر، فلو استطاع لما تسمى بالعاصي، وقد أجرى دموعه ندما، وكان يذرفها عبرة صافية، فها هو أجراها بما سفكناه فيه دما، وكتابنا هذا يتضمن بالبشرى لك بما وهبك الله من السلامة وطول

اسم الکتاب : عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان المؤلف : العيني، بدر الدين    الجزء : 1  صفحة : 116
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست