اسم الکتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم المؤلف : محمد بيومى مهران الجزء : 1 صفحة : 331
أن بلاد العرب الجنوبية كانت تقوم في ذلك الوقت بنفس الدور الذي تقوم به مصر الآن بعد حفر قناة السويس، نظرا لمركزها الهام على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وحيث يوجد مضيق باب المندب، وفي تلك الأيام كانت الإمبراطورية الرومانية الشرقية حريصة على انتزاع هذه المكانة وإعطائها لمصر، ومختلف الولايات الرومانية الشرقية الأخرى، التي تستطيع الإفادة من مركزها الجغرافي، وبخاصة فإن المسيحية كانت قد استقرت في كثير من الولايات الرومانية الشرقية، حتى اضطر "قسطنطين" "306-337م" في عام 311م إلى السماح بانتشار المسيحية في بلاده[1].
وهنا بدأ الرومان يفكرون في استغلال الدين لضم بلاد العرب الجنوبية إلى إمبراطوريتهم، فعمدوا إلى إرسال البعثات التبشيرية لتلك البلاد، لنشر المسيحية بين الحضر والبادية من جهة، ولتهيئة الأفكار والنفوس لقبول النفوذ الروماني من جهة أخرى[2]. ومن ثم فلم يكن تعذيب ذي نواس للنصارى في بلاده، هو السبب الحقيقي للغزو الحبشي في اليمن، ودليلنا على ذلك أن المصادر الإغريقية -بل والحبشية نفسها- إنما تذهب إلى أن الأحباش قد أغاروا على اليمن قبل قصة التعذيب هذه بسنين، وأنهم قد انتصروا على "ذي نواس" واضطروه إلى الالتجاء إلى الجبال إلا أنه استطاع بعد فترة أن ينجح في لم شمل جنده، وأن يهاجم الأحباش وينتصر عليهم، وأن يغير على "نجران" ويتمكن من الاستيلاء عليها، بعد حصار دام سبعة أشهر[3]، ثم ينتقم من أهلها شر انتقام[4]، بل إن تدخل الأحباش في شئون اليمن ومحاولة غزوها، قد بدأ -كما أشرنا من قبل- منذ القرن الرابع الميلادي، [1] فؤاد حسنين: المرجع السابق ص301. [2] إسرائيل ولفنسون: تاريخ اليهود في بلاد العرب ص36. [3] J.B. Bury, Op. Cit., P.323 [4] راجع عن قصة ذي نواس مع نصارى نجران والمعروفة بقصة أصحاب الأخدود: الفصل العاشر من الجزء الأول من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني" ثم انظر: "تاريخ الطبري 2/ 1210125، تاريخ ابن خلدون 2/ 59-56، تاريخ الخميس ص2190220، تاريخ اليعقوبي 1/ 199-200، ابن الأثير 1/ 430-432، ابن كثير: البداية والنهاية 2/ 129-131، 162-169، المعارف ص277، كتاب المحبر ص368، الأخبار الطوال ص61-72، ياقوت 5/ 266-268، مروج الذهب 1/ 80-81، 2/ 52، المقدسي 3/ 182-184، قصص القرآن ص291-293، تفسير الطبري 30/ 133-134، تفسير البيضاوي 2/ 550، تفسير روح المعاني 30/ 88-89، تفسير الفخر الرازي 31/ 118، تفسير الكشاف 2/ 1594، تفسير القرطبي 19/ 286-293.
اسم الکتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم المؤلف : محمد بيومى مهران الجزء : 1 صفحة : 331