اسم الکتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم المؤلف : محمد بيومى مهران الجزء : 1 صفحة : 123
وبدهي أن هذا شعر منحول، ما في ذلك من ريب.
أضف إلى ذلك، أنه -على ما يبدو- لم يكن يخطر ببال هؤلاء المنادين بقحطانية اللغة العربية، أن سكان اليمن قبل الإسلام إنما كانوا ينطقون بلجهات تختلف عن لهجة القرآن الكريم، وأن من يأتي بعدهم قد يكشف سر "المسند" -الخط الذي كان الناس يكتبون به في جنوب شبه الجزيرة العربية- ومن ثم يمكن قراءة نصوصه والتعرف على لغته[1]، وأن عربيته إنما هي عربية تختلف عن هذه العربية التي ندون بها، حتى ذهب الأمر بعلماء العربية في الإسلام إلى إخراج الحميرية واللهجات العربية الأخرى في جنوب شبه الجزيرة العربية من اللغة العربية، وقصر العربية على العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وعلى ما تفرع منها من لهجات[2]، ومن هنا يروي "الجمحي" أن أحد علماء العربية سئل عن لسان حمير، فقال: ما لسان حمير وأقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم بعربيتنا[3]، وإن كان دون شك أن هذا هو رأي العدنانيين في القحطانيين.
هذا فضلا عن أن القائلين بأن "يعرب بن قحطان" هو جد العربية وموجدها عاجزون عن التوفيق بين رأيهم هذا، وبين رأيهم في أن العربية قديمة قدم العالم، وأنها لغة آدم في الجنة، ثم هم عاجزون أيضًا عن بيان كيف كان لسان أجداد "يعرب"؟ وكيف اهتدى إلى استنباطه لهذه اللغة العربية؟، وكيف تمكن وحده من إيجادها من غير مؤازر ولا معين؟ إلى غير ذلك من أسئلة لم يفطن إليها أهل الأخبار في ذلك الزمن[4].
على أن هناك من حاول أن يقدم تفسيرًا أسطوريًّا ذهب فيه إلى أن عادًا قد انقرضت من اليمن بعد عهد هود عليه السلام[5]، فأرسل النمرود ابن عمه قحطان أو ولده يعرب ليسكنها، وحين وصل الأخير إلى اليمن لم يجد فيها إلا قليلا ممن [1] انظر: أحمد حسين شرف الدين: اللغة العربية في عصور ما قبل الإسلام، القاهرة 1975، جويدي: المختصر في لغة حمير 1934، وغيرهما من كتب اللغة. [2] جواد علي 1/ 15، قارن: المسعودي: مروج الذهب 2/ 46. [3] محمد بن سلام الجمحي: طبقات فحول الشعراء، تحقيق محمود محمد شاكر، القاهرة 1952، ص4 [4] جواد علي 1/ 15، قارن: الدينوري: الأخبار الطوال ص7، المعارف ص271. [5] انظر عن سيدنا هود: الفصل السادس من كتابنا "دراسات في التاريخ القرآني".
اسم الکتاب : دراسات في تاريخ العرب القديم المؤلف : محمد بيومى مهران الجزء : 1 صفحة : 123