اجتمعنا في الشِّعْب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب وهو يومئذٍ على دين قومه، إِلا أنّه أحبّ أن يحضر أمر ابن أخيه ويتوثَّق له. فلما جلس كان أولَ متكلم العباسُ بن عبد المطلب، فقال: يا معشر الخزرج، إنَّ محمداً منَّا حيث قد علمتم وقد منعناه من قومنا ممن هو على مثل رأينا فيه، فهو في عزّة من قومه ومَنَعة في بلده، وإنه قد أبى إلا الإنحياز إليكم واللحوق بكم، فإن كنتم تَرون أنكم وافون له با دعوتموه إِليه ومانعوه ممَّن خالفه فأنتم وما تحمَّلتم من ذلك، وإن كنتم ترون أنكم مسلموه وخاذِلوه بعد الخروج إليكم فمن الآن فدعوه فإنَّه في عزّة ومَنعَة من قومه وبلده. قال فقلنا له: قد سمعنا ما قلتَ، فتكلم يا رسول الله، فخذ لنفسك ولربِّك ما أحببت. قال: فتكلَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغَّب في الإِسلام. قال: «أُبايعكم على أن تمنعوني مِمَّا تمنعون منه نساءكم وأبناءكم» . قال: فأخذ البراء بن معرور بيده وقال: نعم، فوالذي بعثك بالحق لنمنعنَّك مما نمنع منه أُزُرَنا. فبايِعْنا يا رسول الله، فنحن - والله أبناء الحروب ورثناها كابراً عن كابر قال: فاعترض القول - والبراء يكلِّم رضي الله عنه - أبو الهيثم بن التَّيِّهان، فقال: يا رسول الله، إنَّ بيننا وبين الرجال حبالاً وإنَّا قاطعوها - يعني - اليهود -؛ فهل عسيتَ إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟ قال: فتبسَّم رضي الله عنه ثم قال: «بل الدمُ الدمُ، الهَدْم الهَدْم، أنا منكم وأنتم مني؛ أحارب من حاربتم وأسلم من سالمتم» .