responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء المؤلف : الصابئ، هلال بن المحسن    الجزء : 1  صفحة : 114
سلمت الوديعة التي كانت له عندي، والله لقد دافعت عنها بغاية ما أمكنتني المدافعة به، مع ما اتي بحيث لا يمكن مثلي الكذب فيما يسأل عنه، حتى جاء ابن حماد كاتب موسى بن خلف وأقر بها علي، وأقام الدليل بإحضار المرأة التي كانت حملتها إلي، فلم أستطع مع هذه الحال إنكارها، ولم أجد بداً من تسليمها. وقد فعل أبو عمر مثل ذلك فيما كان عنده، غير أنه أخذ مالاً من ماله ووضعه في أكياس وختمه بخاتم نفسه وكتب عليه علي بن محمد. فلما عاد الوزير قال له: إن الوديعة بعينها عندي، وإنما غرمت ما غرمته من مالي، تقرباً إليه وتنفقاً عنده ومالي من المال ما لأبي عمر، ولا عندي من الاستحلال مثل ما عنده، ولا جرت عادتي أن أقدح في أمانتي ومروءتي بمثل فعله. والآن فأُريد أن تستل سخيمة الوزير وتصلح قلبه، وتذكره بحقي القديم عليه، ومقامي له بين يدي الخليفة المقام الذي قمته، فإن مثله يرعى ويراعى. فقال له: ما الذي أفعل وأتلطف؛ وقد اختلفت الأقوال فيما جرى ذلك اليوم، فإن رأى القاضي أن يشرحه لي. فقال أبو جعفر كنت أنا وأبو عمر وحامد وعلي ابن عيسى بحضرة الخليفة، وفي المجلس جماعة من خواصه الذين يعادون الوزير أيده الله وينحروه عنه، إذ أحضر
حامد الرجل الجندي الذي زعم أنه وجده راجعاً من أردبيل إلى قزوين، ومتردداً بينهما وبين أصبهان والبصرة، وأنه أقر له عفواً أنه رسول ابن الفرات إلى ابن أبي الساج في عقد الإمامة لرجل من الطالبيين المقيمين بطبرستان، وأن الشروع واقع من الجماعة في أخذ البيعة له، ومسير ابن أبي الساج إلى بغداد به، حتى إذا قرب عاونه ابن الفرات ومهد له من أمر الحضرة ما يجب تمهيده. وقال حامد للرجل: اصدق عما عندك. فذكر مثل ما ذكره حامد عنه، ووصف أن موسى بن خلف اختاره لابن الفرات لأنه من الدعاة إلى الطالبيين، وأن موسى قد كان مضى في وقت من الأوقات إلى ابن أبي الساج في شيء من ذلك. فلما استتم الرجل قوله اغتاظ الخليفة غيظاً شديداً بان في وجهه، واقبل على أبي عمر فقال: ما عندك فيمن فعل هذا واستجازه؟ فقال: لئن كان فعله لقد ركب عظيماً، وأقدم على أمر يضر بالمسلمين جميعاً، واستحق كذا بكلمة عظيمة لا أحفظها. قال أبو جعفر: وتبينت في وجه علي بن عيسى كراهيةً لما يجري وإنكاراً لهذه الدعوى وهزؤا بما قيل فيها، فقويت بذاك نفسي، وعطف الخليفة إلي فقال: ما عندك يا أحمد فيمن فعل ما سمعته؟ قلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يعفيني عن الجواب. قال: ولم؟ قلت: لأنه ربما أغضب من أنا محتاج إلى رضاه، وخالف رأيه وهواه، واستضررت بذلك ضرراً أتأذى به. قال: لا بد من أن تقول. فقلت: الجواب ما قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ ينَبأ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ". ومثل هذا الأمر الكبير لا يقبل فيه خبر الواحد، والعقل يمنع من قبول مثله على ابن الفرات، لأن من المحال أن يرضى ببياعة ابن أبي الساج، ولعله ما كان يؤهله لحجابته في أيام وزارته. ثم أقبلت على الرجل فقلت له: صف لي أردبيل أعليها سور أم لا؟ فلا شك في معرفتك بذلك مع ما ذكرته من دخولك إياها. واذكر لي باب دار العمارة هل هو حديد أو ملبس أم خشب؟ فلجلج في كلامه. ما كنية ابن محمود كاتب ابن أبي الساج؟ فلم يعرف ذاك. وقلت: فأين الكتب التي معك؟ قال: لما أحسست بوقوعي في أيديهم رميت بها إشفاقاً من أن يجدوها معي فأُعاقب. فقلت: يا أمير المؤمنين هذا رجل جاهل مكتسب أو مدسوس من عدو غير محصل. فقال علي بن عيسى: قد قلت ذاك للوزير فما قبل مني، وليس يخوف هذا فضلاً عن أن ينزل به مكروه إلا وقد أقر بالصورة. فأقبل الخليفة على نذير الحرمي وقال له: بحقي عليك إلا ضربته مائة مقرعة أشد ضرب إلى أن يصدق وإنما عدل بهذا الأمر عن نصر الحاجب لما كان يعرفه من عداوته لابن الفرات قال: فأُخذ الرجل من حضرة الخليفة ليضرب على بعد. فقال: لا، لا، ها هنا. فضرب بحيث يشاهده دون خمس مقارع. فقال: غررت وضمنت لي ضمانات فكذبت، ووالله ما رأيت أردبيل قط. وطلب أبو معد نزار بن محمد الضبي صاحب الشرطة فكان قد انصرف. وقال الخليفة لعلي بن عيسى: وقع إليه بأن يضربه مائة سوط ويثقله بالحديد ويطرحه في المطبق. فوالله لقد رأيت حامداً وقد كاد يسقط انخزالاً وانكساراً ووجلاً وإشفاقاً. وخرجنا وجلسنا في دار نصر الحاجب وانصرف حامد، وأخذ علي بن عيسى ينظر في أمور كلم فيها، وأخر أمر الرجل حتى قال له ابن عبدوس حاجبه: قد أُنفذ بدبر المضروب المتكذب. قال أبو جعفر: فقلت: هذا رجل قد جهل، وغمني إذ كنت سبباً لما لحقه، فإن أمكنك أن تسقط عنه المكروه المستأنف أو بعضه كان لك فيه أجر. فقال: لعن الله هذا. وأي أجر في مثله؟ ولكنني أقتصر به على خمسين مقرعة وأعفيه من السياط. ثم وقع بذلك إلى نزار وانصرف. وقد صار حامد من أشد الناس حنقاً علي وعداوةً لي. امد الرجل الجندي الذي زعم أنه وجده راجعاً من أردبيل إلى قزوين، ومتردداً بينهما وبين أصبهان والبصرة، وأنه أقر له عفواً أنه رسول ابن الفرات إلى ابن أبي الساج في عقد الإمامة لرجل من الطالبيين المقيمين بطبرستان، وأن الشروع واقع من الجماعة في أخذ البيعة له، ومسير ابن أبي الساج إلى بغداد به، حتى إذا قرب عاونه ابن الفرات

اسم الکتاب : تحفة الأمراء في تاريخ الوزراء المؤلف : الصابئ، هلال بن المحسن    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست