اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو الجزء : 1 صفحة : 263
أخًا طارقًا أو جار بيت فإنني ... أخاف ملامات الأحاديث من بعدي
وإني لعبد الضيف ما دام ثاويًا ... وما بي إلا تلك من شيمة العبد1
ومن السجايا التي تحلى بها العربي المروءة، وقد تركز المثل الأعلى للأخلاق العربية في هذه السجية التي تغنى بها الشعراء، وهي تتجلى في الشجاعة، وفي كثرة ما يبذل من جهد، وما يظهر من تفانٍ دفاعًا عن القبيلة، وفي سبيل إجارة المظلوم، ونجدة الملهوف، وحماية الجار والعِرْض، والكرم، وقد فسرت بأنها كمال الرجولة، أو بعبارة موجزة، تقتضي المروءة من المرء أن "يغشى الوغى ويعف عن المغنم"[2].
وقد هيأت الطبيعة كل المقومات التي تجعل من العربي رجلًا قويًّا، صحيح الجسم شجاعًا، يضطلع بالمهام التي فرضتها عليه ظروف بيئته، بالإضافة إلى ما فطر عليه من الذكاء وصفاء الذهن. فالبدوي العربي يكتسب صحة البدن وقوته من هواء البادية النقي، ومن أشعة الشمس الساطعة على الدوام، ومن الجو الطلق الذي يعيش فيه، ومن حركته الدائمة ومرانه المستمر على احتمال المشاق. ويكتسب الشجاعة من اضطراره الدائم إلى الدفاع عن نفسه وأهله، وما يملك من متاع ضد المغيرين على قبيلته، وضد الحيوانات المفترسة. فالشجاعة والقتال طبع فُطر عليهما العربي من نعومة أظفاره.
وكل ما يحلم به العربي أن ينال الذكر الحسن بين الناس، فيشيد هؤلاء بالفضائل التي يتحلى بها، فما المرء في نظره إلا أن يترك سيرة حسنة، فهو حديث من بعده. على أن الحرية واستقلال الفكر من أنبل المقاصد التي يسعى إليها العربي، وهي مثله الأعلى المنشود، وأشد السجايا اتصالا بنفسه وقلبه، فقد رضعها في المهد، وتشربت بها نفسه في آفاق الصحراء التي لا حد لها. وقد بلغ من تعلقه بحب الحرية أنه كان يكره كل قانون إلا قانون البادية، وكل نظام عدا نظام العشيرة[3].
1 الألوسي: 1/ 57-85. وفي مصدر آخر أن قائل هذه الأبيات قيس بن عاصم المنقري. [2] أحمد أمين: فجر الإسلام، ص10، جواد علي: 6/ 326. [3] جواد علي: 1/ 370، 372.
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو الجزء : 1 صفحة : 263