اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو الجزء : 1 صفحة : 239
العهد الجاهلي[1]، ومع اليمن لا سيما بعد أن نظم هاشم بن عبد مناف رحلتي الشتاء والصيف، الأولى إلى اليمن والثانية إلى الشام، فجعلهما منتظمتين. وكان لقريش عداهما رحلات تجارية تسير في أوقات مختلفة غير معينة، فأرسل المكيون قوافلهم إلى أسواق الحيرة، كما أرسلوها إلى الشام، يحملون إليها بضائع الهند من مجوهرات وتوابل وأفاوية وأقمشة نادرة، وبضائع الصين من ملابس حريرية مترفة للأباطرة والرهبان ورجال البلاط ومن عطور, وبضائع شرقي إفريقيا من ريش نعام وعاج ومسحوق الذهب وصموغ للكنائس، علاوة على صادرات الجنوب العربي من بخور ولبان ومر وجلود ومعادن ثمينة وعطور[2]، ويعودون منها بالحبوب والزيوت والخمور، والمنسوجات القطنية والكتانية والحريرية، وحتى بالأسلحة التي كانت بيزنطة تفرض الحظر على تصديرها، فيلجأ العرب إلى تهريبها. وكان ارتحال القوافل أو قدومها يثير ضجة عظيمة في مكة، فما أن يعلن عن قدوم إحداها حتى يهب سكانها في شبه هيجان، ويستقبلوها بالدفوف والهتافات[3].
لم تكن تجارة قريش ضيقة المجال، بل كانت عظيمة الاتساع، ولم تكن قوافلها ملك أفراد، بل كانت تعبيرا عن آمال مدينة بأسرها، تحمل أموالا لأهل مكة جميعا، منهم من يسافر معها، ومنهم من يستأجر رجالًا يقومون بهذه المهمة، ويسهم الجميع في رأس مالها. وقد تبلغ قيمة أسهم أحدهم كأبي أحيحة بن سعيد بن العاص بن أمية، وهو من أبرز أثرياء مكة، ثلاثين ألف دينار، وقد لا يتجاوز سهم أحد الفقراء منهم نصف دينار. ويصل عدد الإبل السائرة فيها إلى أكثر من 1500 بعير شاهد "إسترابون" إحداها فقال: إنها أشبه بجيش سائر، إذ يرافقها حراس يتراوح عددهم بين 200-300 مسلح[4].
والواقع أن تجارة قريش كانت تسير بقوافل لضمان حماية الأموال، إذ يرافقها رؤساء وحراس وأدلاء يقل عددهم أو يكثر، بحسب قلة الأموال الثمينة التي تحملها أو كثرتها. [1] جواد علي: 4/ 203 - كان المكيون يفضلونه على المرور بأرض اليمن إلى إفريقيا؛ تجنبًا لدفع ضريبة المرور، ولتأمين حماية القوافل في أثناء مرورها في مناطق القبائل اليمنية. [2] Henri Masse: L'Islam, P. 21. [3] Emile Dermenghem: Ibid., PP. 27, 28. [4] Dermenghem, 29: أحمد أمين, فجر الإسلام، ص14.
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو الجزء : 1 صفحة : 239