responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو    الجزء : 1  صفحة : 237
فالبيئة البدوية بيئة غزو وغارات، وما ذلك إلا لأن الصحراء قليلة الموارد شحيحة النبات. فالقبيلة التي تشعر بأنها لا تملك ما يؤمن لها موارد الرزق والمعيشة، ترى من حقها أن تأخذ ممن يملك، حتى أصبح الغزو جزءًا من عقلية البدوي وطبعه، فإذا لم يجد من يغزوه من أعدائه أو من البعيدين عنه، أغار على جيرانه، أو حتى على ذوي قرباه. يقول الشاعر القطامي في ذلك:
وأحيانًا على بكر أخينا ... إذا ما لم نجد إلا أخانا

التجارة في الحضر:
على أن الأمر يختلف بالنسبة للحضر؛ ذلك أن التجارة هي التي حظيت بالاهتمام في المجتمعات الحضرية، فأقبل القوم عليها إقبالًا شديدًا إلى درجة أن المؤرخ اليوناني "سترابون" الذي اهتم بأحوال العرب في الجاهلية، كان يرى أن كل عربي فيها تاجر أو دليل[1]. ويقول "درمنجهايم": إن العرب كانوا الرواد الأوائل للتجارة العالمية، ولم يكن باستطاعة الرومان القدماء الاستغناء عنهم في هذا الميدان. وبلغ من أهمية التجارة لديهم أن الملوك والزعماء كانوا أحيانا تجارًا، فملوك المناذرة كانوا يرسلون اللطائم "القوافل التجارية" إلى أسواق الحجاز في كل عام، كما كان ولاة الأمر في تدمر قد مارسوا التجارة، وكذلك علية قريش ورؤساؤها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن التجارة كانت العامل المهم في نشوء دول الشمال العربي. وكان أثرها كبيرًا على أوضاع دول الجنوب العربي، من حيث تذبذب عواصمها، وانتقالها تبعا لانتقال الأهمية التجارية من مكان إلى آخر، حتى إن سقوط بعض الدول ونشوء غيرها، سواء في الجنوب أو في الشمال، كان على الغالب مبنيا على أساس ازدهار التجارة في الدولة الجديدة الناشئة، وانحطاط التجارة لدى الدولة الزائلة؛ بسبب تحول الطرق التجارية عنها، وانحيازها إلى الدولة الناشئة.
وفضلا عن ذلك، فإن العامل التجاري قد كيَّف سياسة الدول الأجنبية المحيطة بشبه جزيرة العرب، وحدد موقفها تجاه بعض الدول التي قامت فيها، إذا طمعت فيها كل

[1] Emile Dermenghem: Ibid. ,PP. 24, 26.
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو    الجزء : 1  صفحة : 237
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست