responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو    الجزء : 1  صفحة : 200
ويهاجمه ويغنم منه ويسبي نساءه، كان لا بد أن تلجأ القبائل الصغيرة المستضعفة للانضمام بالتحالف إلى القبائل الكبيرة، التي تبحث بدورها عن حلفاء تقوى بهم -مهما صغر شأنهم- ضد خصومها الأقوياء. وقد يقوم التحالف وإبرام المواثيق بين القبائل المختلفة؛ لصيانة المصالح المشتركة أو لمراعاة الهدوء والسلام بين المتجاورين، أشبه شيء بما يعقد من معاهدات سياسية بين شتى الدول الحديثة.
وبمجرد أن تدخل القبيلة في حلف مع قبيلة أو قبائل أخرى، يصبح لها على حلفائها كل الحقوق والواجبات التي تربط أفراد القبيلة الواحدة بعضهم ببعض، إذ يكون عليهم أن ينصروها على أعدائها، وأن يلبوا دعوتها إذا استنجدت بهم ضد اعتداء وقع عليها، ويكون عليها أن تقوم بالواجبات نفسها تجاه حلفائها. وينشأ بذلك عصبية بين القبائل المتحالفة، تدفعها إلى التضامن في الحروب والتعاون في تبعات الدماء[1].
وقد يطول عهد الحلف بين قبيلتين أو يقصر، بحسب دوام المصلحة التي دعت إلى عقده، ويكون للقبيلة الأكبر والأقوى حق زعامة الحلف. وربما ينفرط الحلف بسبب نكول أحد الأطراف عن تنفيذ الشروط المتفق عليها. وربما دام الحلف زمنًا طويلًا بحيث تندمج القبيلتان المتحالفتان في نسب واحد مع الزمن, ويضرب مثلا على ذلك الاندماج الذي تم بين القبائل المختلفة -من مضرية ومعدية ويمنية- التي تجمعت في البحرين، ثم تحالفت وتعاقدت على التناصر والتآزر، واندمجت بمرور الزمن اندماجا تاما، واتخذت اسم "تنوخ"[2]. وكما يجري التحالف بين قبائل عديدة فتتكتل وتندمج، كذلك تتعرض بعض القبائل الأخرى إلى التفكك الداخلي، إذ تتناحر بطونها المختلفة، وتتحالف بعضها على بعضها الآخر فتنقسم، وتنفرط وحدتها.
لقد بلغ الإقبال في شبه الجزيرة العربية، قبيل الإسلام، على عقد الأحلاف لدرجة أن معظم القبائل كانت متحالفة مع بعضها، ولم يبق خارج نطاق التحالف سوى القلة منها. ويطلق العرب على القبيلة التي لا ترتبط بحلف مع غيرها اسم "الجمرة" إذ تشعر أنها قادرة بمفردها على قتال من يقاتلها من القبائل وتفتخر بذلك. وقد عرف بعضهم

[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ 10/ 410.
[2] راجع بحث المناذرة.
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو    الجزء : 1  صفحة : 200
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست