responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو    الجزء : 1  صفحة : 119
أوليان على تحمل الهجوم الثقيل من جانب التدمريين، فهربوا تصنعًا أو حقيقة، فتعقبهم فرسان تدمر، وكان من الطبيعي أن يصيبهم الإرهاق لثقل معداتهم وعسر حركتهم، فعمد الرومان إلى مضايقتهم بمناوشات جانبية متقطعة حتى تمكنوا من دحرهم حين بدا عليهم الارتباك، ثم التفتوا إلى المشاة من رماة النبل، وكانوا قد انعزلوا ونفدت نبلهم، فسهل على الإمبراطور إلحاق الهزيمة بهم.
تقدم الإمبراطور بعدئذٍ نحو حمص متابعا زنوبيا التي انسحبت إليها، فأوقع بجيشها هزيمة أخرى، شابهت ظروفها ظروف معركة أنطاكية، وتابع سيره إلى تدمر لمحاصرة الملكة التي لم تر بُدًّا من الاعتصام داخل أسوار عاصمتها، وقد أعدت كل ما تستطيع إعداده من وسائل الدفاع، إذ وضعت على كل برج من أبراج السور اثنين أو ثلاثة من المجانيق تقذف المهاجمين بالحجارة، وتمطرهم بقذائف النفط الملتهبة، وصممت على المقاومة بشجاعة بطولية، معلنة أنه إذا كان لا بد لحكمها من نهاية فلتقترن هذه النهاية بنهاية حياتها. وهكذا كان حصار الإمبراطور لتدمر من أشد ما واجه من صعاب، لا سيما وأنه قد أصيب خلاله بجرح من أحد النبال. يدلنا على ذلك ما جاء في خطاب له: "إن الشعب الروماني يتحدث باستهزاء وسخرية عن الحرب التي أشنها ضد امرأة، لكنهم يجهلون شخصية زنوبيا وقوتها. وإنه لمن العسير أن تحصى معداتها الحربية من الحجارة والسهام وكل أنواع القذائف"[1].
ولم يغب عن خاطر أورليان أن يضع ثقته بآلهة روما مستمدًّا عونها ونصرتها له ضد هذه المرأة الشجاعة. ولما ساوره الشك في نصرة آلهته عرض على زنوبيا التسليم لقاء شروط معتدلة: أن تنسحب انسحابًا كريمًا، وأن يحتفظ مواطنوها بامتيازاتهم القديمة. لكنها رفضت شروطه بإباء وشمم، "لا بل اقترن الرفض بالإهانة"[2]. والواقع أنها ركزت أملها في أن تحل المجاعة في الجيش الروماني فيرغم على الانسحاب، وبأن يأتيها المدد من ملك فارس. لكن سابور قد توفي في تلك الآونة, وشغل الفرس بالفتن الداخلية, وحال الرومان دون وصول أية نجدة إليها، بينما كانت النجدات الرومانية تتدفق على أورليان،

[1] إدوار جيبون: ص269-270.
[2] إدوار جيبون: ص271.
اسم الکتاب : تاريخ العرب القديم المؤلف : توفيق برو    الجزء : 1  صفحة : 119
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست