اسم الکتاب : تاريخ الدولة العلية العثمانية المؤلف : محمد فريد بك الجزء : 1 صفحة : 252
اسباب الانحطاط
وَتَقَدَّمت الفتوحات فِي ايامه تقدما عَظِيما لم تصل اليه بعده وَبَلغت الدولة اوج سعادتها واخذت بعده فِي الْوُقُوف تَارَة والتقهقر اخرى حَتَّى وصلت إِلَى الْحَالة الَّتِي عَلَيْهَا الان لجملة اسباب مِنْهَا زِيَادَة الثروة بِسَبَب الفتوحات العديدة والغنائم الْكَثِيرَة وَلَا يخفى ان الثروة تورث غَالِبا الْمُفَاخَرَة فِي الْمصرف والتغالي فِي الزهو والترف وكل امة سادت فِيهَا هَذِه الْخِصَال لَا بُد لَهَا من التَّأَخُّر وَمِنْهَا ان الانكشارية كَانُوا لَا يخرجُون إِلَى الْحَرْب الا إِذا كَانَ السُّلْطَان مَعَهم وَلذَا كَانَت اهم الحروب والغزوات تَحت امرة السُّلْطَان وقيادته لانه ان لم يخرج بِنَفسِهِ لما حَارَبت الانكشارية الَّتِي عَلَيْهَا الْمدَار الاول فِي الحروب فَغير السُّلْطَان سُلَيْمَان هَذِه السّنة الحميدة واجاز للانكشارية الْقِتَال تَحت امرة قائدهم الاكبر وَلَو لم يكن السُّلْطَان مَوْجُودا فَكَانَ هَذَا التَّغْيِير سَببا فِي تقاعس اغلب من خَلفه من السلاطين عَن الْخُرُوج من قصورهم الباذخة وتفضيلهم الْبَقَاء بَين غلمانهم وجواريهم المختلفات الاجناس على الْخُرُوج لِلْقِتَالِ وتكبد مشاقه وَمِنْهَا ان كَافَّة امور الدولة المهمة كَانَت تنظر فِي ديوَان الوزراء تَحت رئاسة السُّلْطَان فابطل السُّلْطَان سُلَيْمَان هَذِه الْعَادة وَصَارَ الدِّيوَان ينْعَقد تَحت رئاسة اكبر الوزراء وَهُوَ الصَّدْر الاعظم وَالسُّلْطَان لاه عَن ذَلِك معرض عَن دسائس الوزراء وَمن يستعينون بهم من جواريه وازواجه وترتب على ذَلِك ان صَارَت الامور بيد الوزراء المغايرين للْجِنْس العثماني اصلا ونسبا اذ ان اغلبهم مِمَّن اسْلَمْ اَوْ تظاهر بالاسلام من النَّصَارَى اَوْ من غلْمَان وخدم السلاطين ونتيجة ذَلِك وَاضِحَة كَمَا ظهر للقارئ عِنْد مطالعة اسباب قتل مصطفى ابْن السُّلْطَان سُلَيْمَان بِنَاء على دسائس زَوجته والوزير رستم باشا وَمنا الاباحة للانكشارية بالتزوج والاقامة خَارج ثكناتهم مَعَ اعظائهم بعض امتيازات وَقبُول الاخلاط ضمن زمرتهم مِمَّا جعلهم من اكبر مُوجبَات تَأَخّر الدولة بعد ان كَانَت من اعظم عوامل تقدمها إِلَى غير ذَلِك من الاسباب الَّتِي سنوردها تباعا بِحَسب مقتضيات الاحوال
اسم الکتاب : تاريخ الدولة العلية العثمانية المؤلف : محمد فريد بك الجزء : 1 صفحة : 252