اسم الکتاب : تاريخ الخلفاء المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 220
فهذا يدوس وهذا يداس ... كذاك لعمري خلاف الأمور
فلو يستعفان هذا بذاك ... لكانا بعرضة أمر ستير
وأعجب من ذا وذا أننا ... نبايع للطفل فينا الصغير
ومن ليس يحسن غسل استه ... ولم يخل من بوله حجر ظير
وما ذاك إلا بفضل وبكر ... يريدان طمس الكتاب المنير
وما ذان لولا انقلاب الزما ... ن في العير هذان أو في النفير
ولما تيقن المأمون خلعه، تسمى بإمام المؤمنين، وكوتب بذلك، وولي الأمين عليّ بن عيسى بن ماهان بلاد الجبال همذان ونهاوند وقم وأصبهان في سنة خمس وتسعين، فخرج علي بن عيسى من بغداد في نصف جمادى الآخرة ومعه الجيش لقتال المأمون في أربعين ألفًا في هيئة لم ير مثلها، وأخذ معه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه، فأرسل المأمون لقتاله طاهر بن الحسين في أقل من أربعة آلاف، فكانت الغلبة له، وذبح عليّ وهزم جيشه، وحملت رأسه إلى المأمون، فطيف بها في خراسان، وسلّم على المأمون بالخلافة، وجاء الخبر الأمين وهو يتصيد السمك فقال للذي أخبره: ويلك دعني فإن كوثرًا صاد سمكتين وأنا ما صدت شيئًا بعد. وقال عبد الله بن صالح الجرمي: لما قتل عليّ أرجف الناس ببغداد إرجافًا شديدًا، وندم الأمين على خلعه أخاه، وطمع الأمراء فيه، وشغبوا جندهم لطلب الأرزاق من الأمين، واستمر القتال بينه وبين أخيه، وبقي أمر الأمين كل يوم في الإدبار لانهماكه في اللعب والجهل، وأمر المأمون في ازدياد إلى أن يبايعه أهل الحرمين وأكثر البلاد بالعراق، وفسد الحال على الأمين جدًّا، وتلف أمر العسكر، ونفدت خزائنه، وساءت أحوال الناس بسبب ذلك، وعظم الشر وكثر الخراب والهدم من القتال ورمي المجانيق والنفط حتى درست[1] محاسن بغداد وعملت فيها المراثي، ومن جملة ما قيل في بغداد.
بكيت دمًا على بغداد لما ... فقدت غضارة العيش الأنيق.
أصابتها من الحسّاد ... فأفنت أهلها بالمنجنيق
ودام حصار بغداد خمسة عشر شهرًا، ولحق غالب العباسيين وأركان الدولة بجند المأمون، ولم يبقَ مع الأمين يقاتل عنه إلا غوغاء بغداد والحرافشة، إلى أن استهلت سنة ثمانٍ وتسعين فدخل طاهر بن الحسين بغداد بالسيف قسرًا، فخرج الأمين بأمه وأهله من القصر إلى مدينة المنصور، وتفرق عامة جنده وغلمانه وقل عليهم القوت والماء.
قال محمد بن راشد: أخبرني إبراهيم بن المهدي أنه كان مع الأمين بمدينة المنصور قال: فطلبني ليلة فأتيت، فقال: ما ترى طيب هذه الليلة، وحسن القمر وضوءه في الماء، فهل لك في الشراب؟ قلت: شأنك، فشربنا، ثم دعا بجارية اسمها ضعف، فتطيرت من اسمها، فأمرها أن تغني، فغنت بشعر النابغة الجعدي. [1] درست: درس الرسم: أي عفا، والمعنى: انتهت ومحيت.
اسم الکتاب : تاريخ الخلفاء المؤلف : السيوطي، جلال الدين الجزء : 1 صفحة : 220