اسم الکتاب : اليواقيت والضرب في تاريخ حلب المؤلف : أبو الفداء الجزء : 1 صفحة : 35
وكان في قلعة عزاز غلام مرتضى الدولة فاتهمه في أمر أبي الهيجاء، فطلب مرتضى الدولة منه النزول فلم يفعل، وخاف منه، وقال: ما أسلمها إلا للقاضي حيدرة. فسلمها إليه.
وكتب القاضي فيها كتاباً إلى الحاكم، وسلّمها إلى مرتضى الدولة، فنقم عليه، وقتله بعد ذلك.
أما أبو الهيجاء فأقام بالروم إلى أن مات.
وعاد قاضي طرابلس خائباً.
وكان أبو المعالي بن سعيد الدولة بمصر، فسيّره الحاكم بعساكر المغاربة إلى حلب، فوصل معرة النعمان في سنة اثنتين وأربعمائة، وأرادت العرب الغدر به، وبيعه من مرتضى الدولة، فأخذه مضيء الدولة نصر الله بن نزّال ورده إلى العسكر، ورجع فمات بمصر.
أما بنو كلاب فإنهم طلبوا من مرتضى الدولة ما شرطه لهم من الإقطاع، فدافعهم عنه، فتسلطوا على بلد حلب، وعاثوا فيه وأفسدوا، ورعوا الأشجار وقطعوها، وضيّقوا على مرتضى الدولة، فشرع في الاحتيال عليهم، وأظهر الرغبة في استقامة الحال بينهم وبينه، وطلبهم أن يدخلوا إليه ليحالفهم ويقطعهم ويحضروا طعامه، واتخذ لهم طعاماً.
فلما حصلوا بحلب مدّ لهم السماط وأكلوا وغلفت أبواب المدينة، وقيّد الأمراء وفيهم صالح بن مرداس، وفيهم أبو حامد وجامع ابنا زائدة. وجعل كبار الأمراء بالقلعة، ومن دونهم بالهري. وقتل منهم أكثر من ألف رجل، وذلك لليلتين خلتا من ذي القعدة من سنة 402.
فجمع مقلّد بن زائدة من كان من بني كلاب خارج حلب وأجفل البيوت، ونزل بهم كفر طاب فقاتلها، فرماه ديلمي اسمه بندار فقتله، في أوائل سنة 403. وكان مرتضى الدولة قد أخرج أخويه أبا حامد وجامعاً وغيرهما، وجعلهم في حجرة، وجعل فيها بسطاً، وأكرمهم لأجل مقلّد. فلما جاءه خبر قتله أنفذ إليهم يعزّيهم به، فقال بعضهم لبعض: اليوم حبسنا.
وسيّر مرتضى الدّولة إلى صالح بن مرداس، وهو في الحبس وألزمه بطلاق زوجته طرود، وكانت من أجمل أهل عصرها، فطلقها، وتزوجها منصور، وهي أم عطية بن صالح، وإيلها ينسب مشهد طرود، خارج باب الجنان، في طرف الحلبة. وبه دفن عطية ابنها، ومات أكثر المحبّسين في القلعة في الضرّ والهوان والقلة والجوع.
وكان مرتضى الدولة في بعض الأوقات إذا شرب يعزم على قتل صالح، لحقنه عليه من طول لسانه وشجاعته. فبلغ ذلك صالحاً فخاف على نفسه وركب الصعب في تخليصها، واحتال حتى وصل إليه في طعامه مبردٌ، فبرد حلقة قيده الواحدة وفكها وصعبت الأخرى عليه، فشد القيد في ساقه، ونقب حائط السجن، وخرج منه في الليل، وتدلى من القلعة إلى التل وألقى نفسه فوقع سالماً ليلة الجمعة مستهل المحرم سنة 405 واستتر في مغارة بجبل جوشن، وأكثر الطلب له والبحث عنه عند الصباح، فلم يوقف له على خبر، ولحق بالحلّة، واجتمعت إليه بنو كلاب، وقويت نفوسهم بخلاصه، وبعد ستة أيام ظفر صالح بغلام لمنصور وكان قد أعطاه سيف صالح، فاستعاده منه وأيقن بالظفر، وتفاءل بذلك.
ولما كان في اليوم العاشر من صفر نزل صالح بتل حاصد من ضياع النقرة يريد قسمتها، بعد أن جمع العرب واستصرخهم، وكان يعلم صالح محبة مرتضى الدولة لتل حاصد.
فحين علم منصور بنزول صالح على تل حاصد رأى أن يعاجله قبل وصول المدد إليه، فجمع جنده، وحشد جميع من بجلب من الأوباش والنصارى، واليهود، وألزمهم بالسير معه إلى قتال صالح، فخرجوا ليلة الخميس ثاني عشر صفر من سنة 405.
وبلغني: أنّ مرتضى الدّولة لما وصل إلى جبرين تطيّر وقال: جبرنا، فلما وصل تل حاصد قال: حصدنا.
وأصبح عليهم يومٌ شديد الحرّ، فماطلهم صالح باللقاء إلى أن عطش العوام ونالوا المرام، والحمد لله على التمام والكمال والله أعلم.
اسم الکتاب : اليواقيت والضرب في تاريخ حلب المؤلف : أبو الفداء الجزء : 1 صفحة : 35