responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام المؤلف : جواد علي    الجزء : 1  صفحة : 108
الروم أو الفرس يجمعون أخبارهم وأخبار من تقدم منهم وسلف؛ فلما كان الإسلام، وجاء زمن التدوين، لم يجد أهل الأخبار أمامهم شيئًا غير هذا الذي رووه وذكروه، وكان من بقايا ما ترسب في ذاكرة المعمرين من أخبار.
لقد عزا بعض الباحثين هذا التقصير إلى الإسلام، فزعم أن رغبة الإسلام كانت قد اتجهت إلى استئصال كل ما يمت إلى أيام الوثنية في الجزيرة العربية بصلة، مستدلًا بحديث: "الإسلام يهدم ما قبله"[1]؛ فدعا ذلك إلى تثبيط همم العلماء عن متابعة الدراسات المتصلة بالجاهلية، وإلى محو آثار كل شيء يتفرع عن النظام القديم، لم يميزوا بين ما يتعلق منه الوثنية والأنصاب والأصنام، وبين ما يتعلق بالحالة العامة كالثقافة والأدب والتأريخ، فعلوا ذلك كما فعل النصارى في أوروبة في أوائل القرن السادس للميلاد؛ فكان من نتائجه ذهاب أخبار الجاهلية، ونسيانها، وابتدأ التأريخ لدى المسلمين بعام الفيل[2]. ولهذا "كان المؤرخون أو الأخباريون، الذين يترتب عليهم تدوين أخبار الماضي وحفظ مفاخره، من الذين ينظر إليهم شزرًا في المجتمع الإسلامي، وخاصة في العهد الإسلامي الأول. أما مؤرخو العرب العظام، فلم ينبغوا إلا بعد تلك الفترة، وحتى هؤلاء فإنهم صرفوا عنايتهم إلى التأريخ الإسلامي، ولم يدققوا فيما يخص الجاهلية، وبالإضافة إلى ما سبق، أصبح لكلمة مؤرخ "أخباري" معنى سيِّئ بل أصبحت صفة تفيد نوعًا من الازدراء. وقد ألصقت هذه الصفة بابن الكلبي، كما ألصقت بكل عالم تجرأ على البحث في تأريخ العرب قبل عام الفيل؛ لكن لم يهاجم أحد من المؤرخين بعنف كما هوجم ابن الكلبي. والراجح أن السبب في ذلك هو انصرافه لدراسة الأشياء التي قرر الإسلام طمسها، أعني بذلك الديانات والطقوس الوثنية في بلاد العرب"[3].

[1] مجلة الأبحاث "ص189"، السنة ال3، الجزء ال2، حزيران 1950، الإكليل: مقدمة نبيه أمين فارس ص "ب"، دراسات عن المؤرخين العرب، تعريب الدكتور حسين نصار، تأليف "مارغليوث" "ص53 وما بعدها".
[2] مقدمة نبيه أمين فارس للجزء الثامن من الإكليل"ص ب"، قال: "وقد يكون للحديث المنسوب إلى النبي أثر في ذلك؛ فقد جاء في الحديث أن "الإسلام يهدم ما قبله"، ولا بد أن عنى النبي في قوله هذا الديانات الوثنية الشائعة في الجزيرة قبيل ظهوره من عبادة الأصنام والأنصاب وغيرها. أما اتباعه، قد فدفعتهم غيرتهم على تثبيت دعائم الدين الحنيف إلى عدم التمييز بين الغث والسمين، فكادوا يقضون على جميع معالم الثقافة والأدب ... إلخ".
[3] الأبحاث، الجزء المذكور "ص189".
اسم الکتاب : المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام المؤلف : جواد علي    الجزء : 1  صفحة : 108
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست