اسم الکتاب : المختصر في أخبار البشر المؤلف : أبو الفداء الجزء : 1 صفحة : 191
يجيبهم إِلى ما يختارونه فأجابوه إِلى ذلك.
وقال الحسين لأصحابه، إِني قد أذنت لكم فانطلقوا في هذا الليل، وتفرقوا في سوادكم ومدائنكم. فقال أخوه العباس: لم نفعل ذلك؟ لنبقى بعدك، لا أرنا الله ذلك أبداً، ثم تكلم أخوته وبنو أخيه وبنو عبد الله بن جعفر، بنحو ذلك، وكان الحسين وأصحابه يصلون الليل كله، ويدعون، فلما أصبحوا، ركب عمر بن سعد في أصحابه، وذلك يوم عاشوراء من السنة المذكورة، وعبأ الحسين أصحابه وهم اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً، ثم حملوا على الحسين وأصحابه، واستمر القتال إلى وقت الظهر من ذلك اليوم، فصلى الحسين وأصحابه صلاة الخوف، واشتد بالحسين العطش، قتقدم ليشرب، فرُمي بسهم فوقع في فمه، ونادى شمر: ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه، فضربه زرعة بن شريك على كفه، وضربه آخر على عاتقه، وطعنه سنان ابن أنس النخعي بالرمح، فوقع فنزل إِليه فذبحه واحتز رأسه، وقيل إِن الذي نزل واحتز رأسه هو شمر المذكور، وجاء به إِلى عمر بن سعد، فأمر عمر بن سعد جماعة فوطئوا صدر الحسين، وظهره بخيولهم.
ثم بعث بالرؤوس والنساء والأطفال إلى عبيد الله بن زياد، فجعل ابن زياد يقرع فم الحسين بقضيب في يده، فقال له زيد بن أرقم: ارفع هذا القضيب، فوالذي لا إِله غيره، لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هاتين الشفتين، ثم بكى، وروي أنّه قتل مع الحسين من أولاد علي أربعة، هم العباس وجعفر ومحمد وأبو بكر، ومن أولاد الحسين أربعة، وقتل عدة من أولاد عبد الله بن جعفر، ومن أولاد عقيل.
ثم بعث ابن زياد بالرؤوس وبالنساء وبالأطفال، إلى يزيد بن معاوية، فوضع يزيد رأس الحسين بين يديه، واستحضر النساء والأطفال، ثم أمر النعمان بن بشير أن يجهزهم بما يصلحهم، وأن يبعث معهم أميناً يوصلهم إلى المدينة، فجهزهم إِلى المدينة، ولما وصلوا إليها لقيهم نساء بني هاشم حاسرات، وفيهن ابنة عقيل بن أبي طالب وهي تبكي وتقول.
ماذا تقولونَ إِنْ قالَ النبي لكم ... ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم
بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي ... منهم أسارى وصرعى ضرجوا بدم
ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم ... أن تخلفوني بسوء في ذوي رحمي
واختلف في موضع رأس الحسين، فقيل: جهز إِلى المدينة ودفن عند أمه، وقيل دفن عند باب الفراديس، وقيل: أن خلفاء مصر نقلوا من عسقلان رأساً إِلى القاهرة ودفنوه بها، وبنوا عليه مشهداً يعرف بمشهد الحسين، وقد اختلف في عمره، والصحيح أنه خمس وخمسون سنة وأشهر، وقيل حج الحسين خمساً وعشرين حجة وكان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة.
وأما عبد الله بن الزبير فإِنه استمر بمكة ممتنعاً عن الدخول في طاعة يزيد ابن معاوية.
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وسنة ثلاث وستين، فيها اتفق أهل المدينة على خلع يزيد بن معاوية، وأخرجوا نائبه عثمان بن محمد بن أبي سفيان منها، فجهز يزيد
اسم الکتاب : المختصر في أخبار البشر المؤلف : أبو الفداء الجزء : 1 صفحة : 191