responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 339
وَقِيلَ: أَصَابَهُ الطَّاعُونُ فَأَعْجَلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ، وَكَتَمُوا شَأْنَهُ، فَكَشَفَهُ جِرْجِيسُ لِلنَّاسِ، فَاتَّبَعَهُ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَهُوَ مَيِّتٌ، فَقَتَلَهُمُ الْمَلِكُ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ حَتَّى أَفْنَاهُمْ، وَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عُظَمَاءِ أَصْحَابِ الْمَلِكِ: يَا جِرْجِيسُ إِنَّكَ زَعَمْتَ أَنَّ إِلَهَكَ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ، وَإِنِّي أَسْأَلُكَ أَمْرًا إِنْ فَعَلَهُ إِلَهُكَ آمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُكَ وَكَفَيْتُكَ قَوْمِي. هَذَا تَحْتَنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مُنِيرًا وَمَائِدَةٌ وَأَقْدَاحٌ وَصِحَافٌ مِنْ خَشَبٍ يَابِسٍ، وَهُوَ مِنْ أَشْجَارٍ شَتَّى، فَادْعُ رَبَّكَ أَنْ يُعِيدَهَا خُضْرًا كَمَا بَدَأَهَا، يُعْرَفُ كُلُّ عُودٍ بِلَوْنِهِ وَوَرَقِهِ وَزَهْرِهِ وَثَمَرِهِ. قَالَ جِرْجِيسُ: قَدْ سَأَلْتَ أَمْرًا عَزِيزًا عَلَيَّ وَعَلَيْكَ، وَإِنَّهُ عَلَى اللَّهِ يَسِيرُ، وَدَعَا اللَّهَ فَمَا بَرِحُوا حَتَّى اخْضَرَّتْ وَسَاخَتْ عُرُوقُهَا وَتَشَعَّبَتْ وَنَبَتَ وَرَقُهَا وَزَهْرُهَا حَتَّى عَرَفُوا كُلَّ عُودٍ بِاسْمِهِ.
فَقَالَ الَّذِي سَأَلَهُ هَذَا: أَنَا أَتَوَلَّى عَذَابَهُ. فَعَمَدَ إِلَى نُحَاسٍ فَصَنَعَ مِنْهُ صُورَةَ ثَوْرٍ مُجَوَّفٍ ثُمَّ حَشَاهَا نِفْطًا وَرَصَاصًا وَكِبْرِيتًا وَزِرْنِيخًا وَأَدْخَلَ جِرْجِيسَ فِي وَسَطِهَا ثُمَّ أَوْقَدَ تَحْتَ الصُّورَةِ النَّارَ حَتَّى الْتَهَبَتْ وَذَابَ كُلُّ شَيْءٍ فِيهَا وَاخْتَلَطَ وَمَاتَ جِرْجِيسُ فِي جَوْفِهَا. فَلَمَّا مَاتَ أَرْسَلَ اللَّهُ رِيحًا عَاصِفًا وَرَعْدًا وَبَرْقًا وَسَحَابًا مُظْلِمًا وَأَظْلَمَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَبَقُوا أَيَّامًا مُتَحَيِّرِينَ، فَأَرْسَلَ اللَّهُ مِيكَائِيلَ، فَاحْتَمَلَ تِلْكَ الصُّورَةَ، فَلَمَّا أَقَلَّهَا ضَرَبَ بِهَا الْأَرْضَ، فَفَزِعَ مِنْ رَوْعَتِهَا كُلُّ مَنْ سَمِعَهَا وَانْكَسَرَتْ، وَخَرَجَ مِنْهَا جِرْجِيسُ حَيًّا، فَلَمَّا وَقَفَ وَكَلَّمَهُمُ انْكَشَفَتِ الظُّلْمَةُ وَأَسْفَرَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ.
قَالَ لَهُ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَائِهِمُ: ادْعُ اللَّهَ بِأَنْ يُحْيِيَ مَوْتَانَا مِنْ هَذِهِ الْقُبُورِ. فَأَمَرَ جِرْجِيسُ بِالْقُبُورِ فَنُبِشَتْ وَهِيَ عِظَامٌ رُفَاتٌ، ثُمَّ دَعَا فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى نَظَرُوا إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ إِنْسَانًا، تِسْعَةِ رِجَالٍ وَخَمْسِ نِسْوَةٍ وَثَلَاثَةِ صِبْيَةٍ وَفِيهِمْ شَيْخٌ كَبِيرٌ. فَقَالَ لَهُ جِرْجِيسُ: مَتَى مُتَّ؟ فَقَالَ: فِي زَمَانِ كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا هُوَ أَرْبَعُمِائَةِ عَامٍ.
فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمَلِكُ قَالَ: لَمْ يَبْقَ مِنْ عَذَابِكُمْ شَيْءٌ إِلَّا وَقَدْ عَذَّبْتُمُوهُ وَأَصْحَابَهُ بِهِ إِلَّا الْجُوعَ وَالْعَطَشَ، فَعَذِّبُوهُ بِهِ. فَعَمَدُوا إِلَى بَيْتِ عَجُوزٍ فَقِيرَةٍ، وَكَانَ لَهَا ابْنٌ أَعْمَى أَبْكَمُ مُقْعَدٌ، فَحَصَرُوهُ فِيهِ، فَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ طَعَامٌ وَلَا شَرَابٌ.

اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 339
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست