responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 319
هُوَ أَثْقَلُ عَلَيْهِ مِنْكِ. فَأَكْرَمَتْهُ، وَأَصَابَتْ عِنْدَهُ بَعْضَ مَا أَرَادَتْ مِنَ الْحَزْمِ وَالرَّأْيِ وَالتَّجْرِبَةِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأُمُورِ الْمُلْكِ.
فَلَمَّا عَرَفَ أَنَّهَا قَدِ اسْتَرْسَلَتْ إِلَيْهِ وَوَثِقَتْ بِهِ، قَالَ لَهَا: إِنَّ لِي بِالْعِرَاقِ أَمْوَالًا كَثِيرَةً، وَلِي بِهَا طَرَائِفُ وَعِطْرٌ، فَابْعَثِينِي لِأَحْمِلَ مَالِي وَأَحْمِلَ إِلَيْكِ مِنْ طَرَائِفِهَا وَصُنُوفِ مَا يَكُونُ بِهَا مِنَ التِّجَارَاتِ فَتُصِيبِينَ أَرْبَاحًا وَبَعْضَ مَا لَا غَنَاءَ لِلْمُلُوكِ عَنْهُ. فَسَرَّحَتْهُ وَدَفَعَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالًا وَجَهَّزَتْ مَعَهُ عِيرًا، فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الْعِرَاقَ وَأَتَى عَمْرَو بْنَ عَدِيٍّ مُتَخَفِّيًا وَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ وَقَالَ: جَهِّزْنِي بِالْبَزِّ وَالطُّرَفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لَعَلَّ اللَّهَ يُمَكِّنُ مِنَ الزَّبَّاءِ فَتُصِيبَ ثَأْرَكَ وَتَقْتُلَ عَدُوَّكَ. فَأَعْطَاهُ حَاجَتَهُ، فَرَجَعَ بِذَلِكَ كُلِّهِ إِلَى الزَّبَّاءِ فَعَرَضَهُ عَلَيْهَا، فَأَعْجَبَهَا وَسَرَّهَا وَازْدَادَتْ بِهِ ثِقَةً، ثُمَّ جَهَّزَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَكْثَرَ مِمَّا جَهَّزَتْهُ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى. فَسَارَ حَتَّى قَدِمَ الْعِرَاقَ وَحَمَلَ مِنْ عِنْدِ عَمْرٍو حَاجَتَهُ وَلَمْ يَدَعْ طُرْفَةً وَلَا مَتَاعًا قَدَرَ عَلَيْهِ، ثُمَّ عَادَ الثَّالِثَةَ فَأَخْبَرَ عَمْرًا الْخَبَرَ وَقَالَ: اجْمَعْ لِي ثِقَاتِ أَصْحَابِكَ وَجُنْدَكَ وَهَيِّءْ لَهُمُ الْغَرَائِرَ - وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ عَمِلَهَا - وَاحْمِلْ كُلَّ رَجُلَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ فِي غِرَارَتَيْنِ وَاجْعَلْ مُعَقَّدَ رُءُوسِهِمَا مِنْ بَاطِنِهِمَا. وَقَالَ لَهُ: إِذَا دَخَلْتُ مَدِينَةَ الزَّبَّاءِ أَقَمْتُكَ عَلَى بَابِ نَفَقِهَا، وَخَرَجَتِ الرِّجَالُ مِنَ الْغَرَائِرِ فَصَاحُوا بِأَهْلِ الْمَدِينَةِ، فَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَاتَلُوهُ، وَإِنْ أَقْبَلَتِ الزَّبَّاءُ تُرِيدُ نَفَقَهَا قَتَلْتَهَا.
فَفَعَلَ عَمْرٌو ذَلِكَ وَسَارُوا، فَلَمَّا كَانُوا قَرِيبًا مِنَ الزَّبَّاءِ، تَقَدَّمَ قَصِيرٌ إِلَيْهَا فَبَشَّرَهَا وَأَعْلَمَهَا كَثْرَةَ مَا حَمَلَ مِنَ الثِّيَابِ وَالطَّرَائِفِ، وَسَأَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ وَتَنْظُرَ إِلَى الْإِبِلِ وَمَا عَلَيْهَا، وَكَانَ قَصِيرٌ يَكْمُنُ النَّهَارَ وَيَسِيرُ اللَّيْلَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَخَرَجَتِ الزَّبَّاءُ فَأَبْصَرَتِ الْإِبِلَ تَكَادُ قَوَائِمُهَا تَسُوخُ فِي الْأَرْضِ، فَقَالَتْ: يَا قَصِيرُ
مَا لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدَا ... أَجَنْدَلًا يَحْمِلْنَ أَمْ حَدِيدَا
أَمْ صَرَفَانًا بَارِدًا شَدِيدَا ... أَمِ الرِّجَالَ جُثَّمًا قُعُودَا

اسم الکتاب : الكامل في التاريخ المؤلف : ابن الأثير، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 319
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست